فرحة المصريين والعبور السياسي

ما بين26 فبراير و25 مايو2005 أنجز المصريون تحولا سياسيا يليق بهم, وبقدرتهم علي الإنجاز, فأصبحوا مؤهلين, لبدء مرحلة مختلفة سوف تكون نقطة الانطلاق إلي عالم جديد.
وعندما تبدأ شرعية الرئيس المقبل من خلال الانتخاب المباشر من كل المصريين, عبر صناديق الاقتراع, فإن هذا الأمر يعد تحولا مذهلا في تاريخ الجمهورية منذ قيامها, فقد أعطي الشعب حقا أصيلا, كان قد غاب عنه طويلا, وبهذا التصور المبدئي وتلك المبادرة الخلاقة والعمل المبدع حدث الحراك السياسي, ونجحنا في التحول, وحافظنا علي قدرتنا في الذهاب إلي المستقبل.
ولا يخالجني أدني شك في أن الأمة المصرية العريقة ستدخل هذه الانتخابات الرئاسية بروح جديدة وثابة, لا نندفع فيها بالتنافس فقط, وما يحيطه عادة من رغبة جارفة للتعبير عنه, بل بالفرحة والبهجة معا, ولأن الحركة السياسية الداخلية تستلزم أن يتحد العقلان: الواعي والباطن معا, سواء للقائد الذي صنع هذا التحول أو الشعب الذي يتلقاه ويتعامل معه, ليكون الحدث جديرا بالتاريخ الذي يصنعه.
ولأننا مطالبون بالاتحاد والتنافس معا, وهما ظاهريا في خلاف, لكنهما باطنيا يعبران عن رغبة دفينة في الاتفاق, فيجب أن نكون قادرين, وعلي وعي كبير بصناعة الحدث وملابساته, ونحمي المتنافسين, ونحيطهم بالرعاية, فهم جميعا يعبرون عنا, ونريد أن نسمعهم, صحيح أن هناك منهم من نثق فيه جدا, ونتطلع إلي عودته وإلي استمرار مسيرة البناء والتنمية والاستقرار التي تمتعنا بها طويلا, ولكننا مدركون أنه يجب أن نعطي لأنفسنا مساحة من التسامح والرغبة في أن ندشن روحا جديدة للمستقبل, محورها أن العمل السياسي ليس مجرد اختيار للقيادات فقط, ولكنه يدشن طريقة في الحكم وأسلوبا للعمل والحياة, وأننا عندما صنعنا لحظة التنافس, بأيدينا ورغبتنا, كنا مدركين أنها نقطة ذروة, ليس لاختيار القائد أو الرئيس وحده, بل كانت استخلاصا للفكرة والمبدأ والأسلوب من قلب احتدام الحوار وجديته.
ولأننا في عالم الصورة التي تنقل الأحداث إلي كل مكان في عالم اليوم, فيجب أن نكون قادرين علي أن ننظم الحدث ونتيح للجميع التعبير عنه بلا فوضي أو زحام أو رغبة دفينة لدي البعض لإفساده, وأن نركز اهتمامنا, ليس علي إتاحة الفرصة فقط, ولكن يجب أن نكون منظمين ومتحدين ونعرف ماذا نعمل ونخطط لمستقبل مصر.
فالانتخابات الرئاسية الأولي في ظل التنافسية, والجمهورية التي سوف تظهر من خلالها وشرعيتها الشعبية, سوف تتيح للرئيس المقبل قدرة وفاعلية أكثر علي وضع مصر علي خريطة التحديث والتطوير, لأنه بحكم الأغلبية والتفويض, الذي سوف يحصل عليه من خلال التصويت المباشر, سيكون معبرا عن المصريين بشكل كامل, فهو يستطيع أن يكاشفهم بالأخطار والمشاكل الداخلية التي تقف حجر عثرة أمام انتقالهم إلي دولة حديثة, ونحن نواجه بالفعل مشاكل عديدة في عمليتي التحول الاقتصادي والاجتماعي.
وأعتقد أن الجمهورية الجديدة سوف تملك قدرة المواجهة مع الداخل والخارج معا, بما يحقق مصالح الشعب, ويزيد من قدرة تماسكه ومناعة بنيانه الداخلي, ودوره الإقليمي المتميز, ومكانته العالمية التي حفرناها عبر السنوات الماضية بإبداعاتنا ودورنا في التمسك بالسلام الإقليمي, وصناعته والحفاظ عليه, والتعبير عن دول العالم الثالث وشعوبها المطحونة.
ومن هذا المنطلق يجب ألا نهرب من مسئوليتنا في الحفاظ علي اللحظة الراهنة, بكل ما تحمله في طياتها من قدرة كامنة ومستقبلية علي التطور والنمو, علي أن نحرك الأمة لاستكمال بنية أساسية شاملة للنظام المصري السياسي, وأن نطور ونزيد من قدرات البنية الاقتصادية, لتسمح لمصر بالانتقال إلي العالم الجديد سياسيا واقتصاديا, وأن نكون جزءا فعالا ومؤثرا في صناعته وتطوره.
ولن تقع المسئولية علي الحزب الوطني, صاحب الأغلبية وحده, فهذا الحزب يتحرك في ضوء المساحات المتاحة له, ويدفع ويحفز المثقفين وأساتذة الجامعة علي المشاركة في العملية السياسية, ولا ينسي المواطنين العاديين من العمال والفلاحين والمرأة والشباب, ويحاول دمج الجميع في عملية سياسية خلاقة ومؤثرة في المستقبل.
ولكننا في المرحلة الراهنة يجب أن نركز علي أحزاب المعارضة ونطالبها بالاتحاد, لتصوغ برنامجا مشتركا, وتقدم مرشحا قويا ومتماسكا ينافس الحزب الوطني, حتي نعطي مثلا ونموذجا معبرا عن حوار سياسي يتناسب مع تاريخنا, ويتجاوز فكرة أنها المرة الأولي في عصر الجمهورية التي يتنافس فيها المرشحون علي الموقع الأول, وما يمثله في ضمير المصريين من مكانة رفيعة وتبجيل متوارثين.
ولنثق في أن تجربتنا السياسية, في انتخابات الرئاسة, تهمنا وحدنا, ويجب أن نصنعها بعقل مصري خالص, ولا نسمح بأي تدخل خارجي علي الإطلاق, حتي ولو بالتصريحات الإيجابية أو السلبية من أي طرف, سواء في منطقتنا أو في العالم الخارجي أم حتي من القوي الكبري المؤثرة, ولا يمنع ذلك من أن تكون تجربتنا ملهمة للآخرين, ولأن مصر عندما تدخل عصر الجمهورية التنافسية ستكون قادرة علي الإلهام وتقديم الجديد والمبدع, فيجب ألا نسمح لأحد داخليا أو خارجيا بأن يفسد فرحتنا بتدشين تلك المرحلة الحساسة والدقيقة في تاريخنا كله, التي بلا شك سوف تكون لها تأثيرات علي ما يليها من انتخابات مجلس الشعب, الذي يجب أن يفرز ويقدم للحياة السياسية أفضل العقول والقادة للمستقبل.
يحدث في مصر الآن تحول جوهري, وكانت نقطة الانطلاق مبادرة الرئيس مبارك في بداية هذا العام التاريخي, عام العبور السياسي2005 الذي سوف يتذكره المصريون, ويبقي محفورا في تاريخهم الحديث, مثلما يتذكرون عام العبور العسكري1973, وما بين العبورين سيظل المصريون يبنون ويحافظون علي وطنهم ويتقدمون ويدركون أن المستقبل لهم.