مقالات الأهرام اليومى

هيبـة التغييـر‏..‏ والمصداقيـة

إذا كنا منصفين لأنفسنا لاعترفنا بأننا نخطو نحو تغيير جوهري‏,‏ وحياة سياسية واقتصادية مختلفة‏,‏ ستكون لها تأثيرات علي أوضاعنا الاجتماعية ومستقبلنا بالكامل‏,‏ وحاجتنا إلي لغة جديدة للتعبير عن هذا التغيير‏,‏ خلقت حالة توتر مبررة‏.‏

ولأننا في مرحلة مفصلية‏,‏ سننتقل بعدها إلي ما نسميه الجمهورية الجديدة‏,‏ فهي تلزمنا بدعوة الجميع إلي المشاركة في صياغتها‏,‏ مع تواضع كل أصحاب الصدارة‏,‏ الذين تعودوا أن يفكروا ويخططوا وينفذوا لنا‏,‏ فقد حان دورهم لكي يسمعوا جيدا‏.‏

فاللحظة الآن دقيقة‏,‏ ولا يستطيع أحد أن ينفرد بتشخيصها‏,‏ حتي يصل إلي حقيقتها المجردة وهي عملية ليست سهلة‏,‏ لأنه لا توجد الخبرات الجاهزة التي تملك استخلاص هذه الحقيقة من لحظة مقعدة كالتي نمر بها‏.‏

فهي من ناحية يجب أن تكون مصرية خالصة‏,‏ تحكمها ظروفنا المحلية‏,‏ ومن ناحية أخري لها نقاط تماس مع العالم الخارجي‏,‏ فأصبحت سبيكة نادرة أو خلطة جديدة‏,‏ تتسم بحركة جماهيرية و اسعة‏,‏ ليس في حقول السياسة ودروبها‏,‏ أو في أسواق الاقتصاد فقط‏,‏ ولكن بتفاعلاتها غير المحكومة في كل المجالات‏,‏ ونتيجة لذلك فإنها تجعل أصحابها خائفين أو مترددين‏,‏ وهي حالة طبيعية‏,‏ لكنها سلبية لمن يتطلعون إلي خلق واقع متماسك دون خوف‏,‏ فما يجري غير مسبوق في حياتنا السياسية عبر تاريخنا الطويل‏.‏

ولأنه استند إلي المركزية الشديدة في الحكم‏,‏ والفردية المطلقة‏,‏ وأصبحنا في حاجة إلي تغيير شامل في هذين الإطارين‏,‏ فإن هناك من يتابعون هذا التطور‏,‏ وكأنهم ذاهلون أو في عالم آخر‏,‏ بينما ينبغي أن يكونوا متماسكين وقادرين وواعين‏,‏ وعلي يقين بأن المستقبل يحمل لهم مؤشرات إيجابية‏,‏ فما تحت أيديهم اليوم يعطيهم قوة ليتحركوا إلي الأمام خطوات متقدمة دون خوف‏.‏

وأعتقد أن مبعث هذا التردد هو أن كثيرا مما تعودنا عليه يجب أن يسقط مع سرعة الحركة لنتكيف مع التطورات الجارية‏,‏ وذلك علي صعيد القيادات والسياسات حتي مع المواطنين العاديين في الشارع‏.‏

ومن هذا المنطلق‏,‏ فإنه ينبغي ألا يقتصر تحركنا علي أن عام‏2005‏ هو عام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وكفي‏,‏ فالتوقف عند هذا الاستحقاق وحده‏,‏ سيكون وقودا للتوتر المجتمعي‏,‏ ولكن الأمر سيكون صحيا إذا تجاوزنا هذه الحالة‏,‏ واتجهنا إلي تطويرها وجعلها واقعا للحياة وطريقنا للتجديد والتجدد‏.‏

فالانتخابات لها أهميتها كوسيلة للمشاركة وصناعة الرأي العام‏,‏ لأن الناخب سيصبح شريكا في صناعة القرار‏,‏ وفي تنفيذ السياسات باختياره للقيادات‏,‏ وتمييزه بين المرشحين‏,‏ وأما تحويلها إلي غاية في حد ذاتها فسيغذي التوتر غير الصحي‏,‏ والذي يجب تلافيه‏,‏ لأنه مضاد لعملية التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي‏,‏ ومعارض للإمساك بلحظة التطور الراهنة بكل ما تلهمه للأجيال الحالية والقادمة‏,‏ من طرق للحياة من أجل النمو والبناء وصولا إلي الازدهار العام‏.‏

ولعل أفضل ما نستطيع أن نقدمه من أفكار قد تساعدنا في الانتقال السلس‏,‏ هو أن نشارك جميعا في صناعة التغيير‏,‏ وأن تطرح الحكومة سياساتها بلغة عملية قابلة للتنفيذ‏,‏ وتكشف عن من هم المنفذون‏,‏ وماطرق ووسائل العمل وما دور الحركة الاقتصادية‏,‏ ولا تستخدم لغة الأرقام الصماء التي عودتنا عليها‏,‏ فهي لا تصلح إلا للمجتمعات المتقدمة وحدها‏,‏ أما في حالتنا فينقصنا الكثير‏,‏ ونحتاج إلي لغة تفصيلية‏,‏ تشرح مناخ الإصلاح والتحول والقوانين الحاكمة له‏,‏ وعلي الحكومة أن تسارع بإعطاء الشارع تطمينات سياسية واقتصادية إلي مكانة المواطن العادي في ظل التغيير والإصلاح الاقتصادي‏,‏ وقيام قطاع خاص قوي يقود عملية التنمية والإنتاج‏,‏ وكيف سيحمي دخله؟ وكيف سنوفر له فرص العمل الحقيقية‏,‏ ثم الاحترام في ظل تأمينات وخدمات صحية‏,‏ وقواعد عمل منظمة تحمي الحقوق في ظل سوق حرة مفتوحة؟

صحيح أننا نملك حكومة من الناحية الاقتصادية تضم مجموعة من المحترفين والشباب الكفء‏,‏ ولكنها لم تستطع إلي الآن أن تجري حوارا خلاقا مع الأطراف المؤثرة في تكوين الدائرة الأقتصادية أو الشارع‏,‏ إما تعاليا أو عدم قدرة علي الوصول إلي الناس‏,‏ فمن المهم أن يدرك البسطاء أن الاقتصاد عملية مستمرة ومركبة وطويلة‏,‏ وتحتاج إلي سنوات ليصل العائد إلي المواطنين‏,‏ وحتي نصل إلي هذه النقطة‏,‏ يجب أن يكون هناك حوار خلاق يشارك فيه الجميع لتحقيق هذا الهدف‏,‏ فالحكومة لا تعمل وحدها‏,‏ وإنما تعمل بالناس ولهم‏.‏

أما علي صعيد السياسيين‏,‏ فإن التغييرات عميقة‏,‏ والبنية التشريعية التي سوف تصاحب تغيير طريقة انتخاب رئيس الجمهورية كبيرة‏,‏ وتأثيرها غير عادي‏,‏ وبالتالي فهي تستلزم إحداث تغيير مواز ليتناسب مع حجمه‏,‏ وذلك باختيار نوعية من السياسيين يعبرون عن هذه المرحلة‏,‏ إذ يجب أن يكونوا مختلفين شكلا وموضوعا‏,‏ سواء في الحزب الحاكم أم الأحزاب الأخري‏,‏ وأن يكونوا ذوي قدرة علي التعبير واحترام الذات والآخرين‏,‏ ويا حبذا لو كانت وجوها جديدة‏,‏ مع إسقاط كل القيادات صاحبة الرؤية الفردية أو المطلقة‏,‏ وإحياء ثقافة الفريق‏.‏

أما السياسات‏,‏ فهي الأخري يجب أن تركز علي إنهاء المركزية‏,‏ وقيام حكم محلي حقيقي يعطي للقادة المحليين مكانتهم في إدارة العملية السياسية‏,‏ وعدم تسلط العاصمة علي قراراتهم وفكرهم‏,‏ لنفتح شرايين المجتمع المصري للعمل بلا عوائق‏,‏ ونعطي لكل إقليم أو محافظة أسلوبها في الإنتاج‏,‏ ونقوم بتخطيط جديد لكل من المدينة والقرية‏,‏ ونسمح بظهور القيادات المحلية المميزة بعيدا عن تسلط المركزية‏.‏

وفي نفس الوقت لابد من الحسم في الأداء‏,‏ وعدم التردد‏,‏ ففي تلك اللحظة فإن صناع الحدث‏,‏ سوف يحصدون نتائج ما تحقق لمصر من استقرار حقيقي في السنوات الماضية بحصولهم علي ثقة الشعب‏,‏ لأنهم جمعوا ما بين الدور التاريخي الأسطوري‏,‏ وبين ورؤية وعمق المستقبل‏,‏ ببعديه المحلي والعالمي‏,‏ فصانوا ماضيهم وحموا حاضرهم‏,‏ وصنعوا مستقبل بلادهم‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى