فلنبن القاهرة.. وننظمها من جديد!

أعرف أننا نستيقظ وسط الأحداث الكبيرة, وانفجار الموسكي أثار لدي تساؤلات مختلفة, ورغم يقيني من أنه حادث فردي, فربما يدفعنا إلي سرعة التحرك لتنظيم القاهرة, وإنقاذها من الفوضي, وإعادة بناء أحيائها الجميلة الأنيقة التي كانت, حتي لا تبقي سرابا في مخيلات من يعرفونها.
وهناك دائما نماذج وأعمال, تجعل الحلم بتغيير القاهرة,ممكنا, فعلي بعد أمتار من المنطقة المزدحمة, التي شهدت الحادث المؤسف, شيدت محافظة القاهرة حديقة الأزهر علي مساحة45 فدانا, في منطقة كانت مقلبا للقمامة, وتطل بالقبح علي أهم منطقة أثرية إسلامية, فأصبحت بعد سنوات من العمل حديقة حديثة يؤمها أبناء حي الأزهر والموسكي, ويخرجون منها منظمين محافظين علي جمال الحديقة. ولا يسعك, وأنت بها إلا أن تجد نفسك في منطقة وحي من أرقي الأحياء, وكأنك في أوروبا الحديثة مع سحر الشرق وجماله وغموضه, فتكتشف في لحظات جمال بلادك وسحرها, وإذا جمعت ما بين الجمال والمناخ والغموض, فلاشك أنك في عالم ساحر جميل, لكننا لا نلمسه في كل مكان, لأننا لا نملك إرادة العمل والتنظيم, أو إدارة إذا أرادت فعلت.
فالقاهرة الجميلة كما نريدها لا يعيبها الزحام, وإنما سوء التنظيم والإدارة, وغياب المحليات والبلديات والمرور والحزم والربط والعمل الجاد.
والقاهرة عاصمة مصر, دفعنا واستثمرنا فيها أموالا طائلة, ويجب أن نحافظ عليها, ونعيد تشكيلها وتطويرها, وإذا نجحنا في إدارتها, فسوف نستطيع أن ننجح في إدارة مصر كلها, وتحويلها إلي جنة الله في أرضه.
وأول ما ينبغي أن نفكر فيه هو: من المسئول عن القاهرة, هل هو محافظها أم الوزارات المختلفة؟ فكل وزير يتدخل في إدارتها, وكأنها جزء تابع له, مع أنها محافظة, ويجب أن تكون مستقلة بعيدا عن تشتت وصراع الوزارات, فكل حي من أحياء القاهرة له تاريخ, وطابع خاص, ويجب الحفاظ علي هويته المعمارية عن طريق البلدية فيه, فهي المسئولة عن تخطيط النمط البنائي المناسب.
والمشكلة في إدارة المدن المصرية هي غياب وفساد المحليات,فقد أصبحت مستنقع الوظائف, وإذا أعدنا التفكير في إصلاح المدن والقري في مصر, فيجب أن نركز علي عودة البلديات القوية التي تتعاون مع مراكز التخطيط العمراني والجامعات, حتي تخرج من باطن التربة المصرية ملامح بناء كل حي.
وإذا كنا نفكر في القاهرة, فانظروا حولكم إلي أهم أحيائها في وسط المدينة, ونعني هنا حي بولاق التاريخي, المطل علي النيل, الذي تنتشر حوله أهم وأخطر المؤسسات المصرية من الإذاعة والتليفزيون, إلي الصحف ووزارة الخارجية, فهذا الحي القديم أصبح عشوائيا, وفي داخله تتكاثر العشش, وتنتشر داخلها تجارة المخدرات, وعندما تزال أو تقع إحدي عماراته يعاد بناؤها بطريقة لا تتجانس ولا تتناسب مع أغلي منطقة في القاهرة.
فلماذا لا يعاد بناء حي بولاق بشكل عصري ليكون وسطا لمدينة القاهرة, عبر إنشاء شركة لوسط المدينة, يكون لها قانون خاص للبناء والتشغيل وتشمل كل المؤسسات الموجودة بالحي, وكل البنوك والمؤسسات المصرية الكبري, ويشارك فيها المواطنون سكان الحي أغنياؤه وفقراؤه بأسهم؟!
ولنأخذ التجربة من إعادة بناء بعض المدن, ولتكن تجربة بيروت بعد الحرب نموذجا لنا, فقد أنشأوا شركة لوسط المدينة, عرفت باسم سوليدير خططت الحي بطريقة مناسبة لجذب السائحين وإنعاش بيروت, وكل لبنان.
وهذه المنطقة المحصورة بين النيل ووسط المدينة القديم, أو القاهرة ـ الإسماعيلية أو الخديوية توجد بها أغلي ثروة عقارية في مصر, فهي الأخري أصبحت مهملة ومعرضة للضياع.
وإذا ربطنا بين المنطقتين فسوف نملك أغلي وسط مدينة في العالم, ومن الممكن أن يصبح نقطة جذب استثماري للشركات المصرية والإقليمية والعالمية, وذلك يحتاج إلي أن يبني بطريقة عصرية, وليست عمارات شاهقة تنقل التكدس إلي وسط المدينة, الذي يجب أن يكون للشركات والسياحة والتسوق, مع الاستفادة من جمال المنطقة ووجودها علي النيل ومناخ القاهرة الرائع لتكون منطقة مفتوحة للحركة والتنقل وليست مولات لا تتناسب مع مناخنا المعتدل طوال العام.
فلنخطط القاهرة من قلبها, وننتقل من القلب إلي الأطراف, علي أن نضع لكل حي خصائصه وطريقة بنائه, ونتلافي ونحن نبني هذه القاهرة, جعل كل شوارعها أماكن لانتظار السيارات, فشوارعنا أصبحت أي شيء آخر إلا أن تكون شوارع للمرور والسيارات, ومثلما فقدنا الأرصفة المخصصة لحركة المشاة, فالاستمرار علي الوضع الراهن سيجعلنا نفقد ما تبقي لنا من شوارع, ويصبح المرور والحركة في القاهرة عملية مستحيلة, رغم الكباري والأنفاق والتخطيط العمراني الذي يحاول اجتياز الأزمات عبر المحاور, فقد وصل التفكير الخاطيء إلي محاولة شق شارع مستغلا طرح النهر داخل النيل, للوصول إلي أحد الفنادق الكبري, والذي إذا تم سيشكل ظاهرة هندسية معيبة ستصبح بعد فترة شاهدا علي عجز الجيل الراهن عن حل مشكلة القاهرة.
كثير من الخبراء والذين يعرفون القاهرة يدركون أنه يمكن إنقاذها, ولكن من يتولي أمرها هم دائما من غير المتخصصين, وأزمات العاصمة تحتاج إلي تفكير عاجل, فسوء إدارتها أصبح يشكل مخاطر أمنية, ومن لا يصدقنا, ينظر إلي ميكروباص المدينة, فهو جريمة متحركة مثيرة للفزع.
القاهرة لا تحتاج إلي أموال كثيرة لإصلاحها, بل إلي إدارة حازمة وروح مبتكرة تعيد للشوارع والأرصفة الاحترام, وإلي البناء جماله, ليعرف الجميع أنه في مدينة وليس في قرية كبيرة.
فأنقذوا القاهرة, واضبطوا حركتها, لتحموا الاستثمارات والأموال التي دفعت فيها, ولندرك أن مخاطر غياب تنظيم المرور, ليست طريقا إلي الفوضي والجريمة فقط, بل إنها تولد الإرهاب والخوف علي المستقبل.