مقالات الأهرام اليومى

ملاحظات حول قمة الجزائر

ليس غريبا أن تخرج مندهشا بعد زيارة إلي الجزائر‏,‏ فكل ما حولك يكرس هذه الحالة‏,‏ فالعاصمة التي استضافت مؤتمر القمة‏,‏ لا يمكن أن تنسي فيها أنك في بلد يتعافي‏,‏ ويخرج من حالة حرب إرهابية طاحنة‏,‏ فجزائر بوتفليقة ظهرت في شخصية مختلفة‏,‏ وراحت تتجدد‏,‏ ولا تخطيء عين المراقب عملية التغيير والنمو في جميع المجالات‏.‏

فبوتفليقة كان قد خرج ببلده من نفق مظلم إلي بلد يمضي واثق الخطي‏,‏ لانجاز التنمية‏,‏ ويتطلع الآن إلي دور إقليمي بطموح من يملك الإمكانات‏,‏ ويعرف قدرات بلده‏,‏ بما يجعلك تحترمه وتتعاطف معه‏.‏

وأعود إلي أجواء القمة‏,‏ فقد ترسخ لدي أن العرب مازالوا بعيدين عن فهم معايير العصر‏,‏ وعلي ما يبدو فإنهم يلعبون في الوقت الضائع‏,‏ فقد استغرقت الاجتماعات وقتا طويلا في تفاصيل هامشية حول ما عرف باسم الورقة الأردنية‏,‏ لتطوير مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية في قمة بيروت منذ ثلاثة أعوام‏,‏ وتضمنت رؤية للمصالحة مع إسرائيل‏,‏ شرط أن تنسحب من كل الأراضي العربية‏,‏ وتحترم حقوق الفلسطينيين في دولتهم وعودتهم إلي أراضيهم‏,‏ وبرغم أهمية تلك المبادرة‏,‏ فإن العرب لم يستطيعوا أن يجعلوها ورقة للتفاوض مع إسرائيل والتأثير في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي‏.‏

فهذه المبادرة الإستراتيجية قدمها نظام عربي لا يثق في ذاته الجماعية‏,‏ مما جعل إسرائيل وأمريكا لا تتعاملان معها بالاحترام المستحق‏,‏ فحاول الأردن إنعاشها من جديد‏,‏ ورأي البعض أن هذا الأسلوب خاطيء في العرض‏,‏ واعتبرها البعض الآخر دعوة سريعة للتطبيع‏,‏ فبدأت حالة الانقسام العربي والتربص بين الشركاء‏,‏ ولا أريد أن أقول الفرقاء‏.‏

فقد استهلكت هذه الورقة الكثير من الوقت بين العرض والرفض والصياغة‏,‏ فعادت المبادرة القديمة متجددة مرة أخري‏,‏ وأعتقد أنها مازالت غير مؤثرة‏,‏ لأن المؤتمرين لم يدرسوا بعناية لماذا هي لم تلق الأهتمام الدولي؟‏!‏

أما الموضوع الثاني‏,‏ الذي استهلك وقتا أطول هو أموال جامعة الدول العربية التي تتعرض للإفلاس‏,‏ فقد وصلت الحصص غيرالمسددة إلي أكثر من‏100‏ مليون دولار‏,‏ وكان غريبا أن يحدث هذا في مؤسسة الجامعة‏,‏ فهي تمثل وتضم‏22‏ دولة‏,‏ يعيش فيها‏300‏ مليون نسمة‏,‏ ومعظمها دول بترولية غنية‏,‏ ومع ذلك فميزانية هذه المؤسسة لا تتجاوز‏35‏ مليون دولار سنويا‏,‏ أي ما يوازي شركة صغيرة أو محطة فضائية‏.‏

ساعتها شعرت بهشاشة هذا النظام‏,‏ فهذا المبلغ المحدود يمكن أن تدفعه دولة واحدة سنويا‏,‏ وتكون مسئولة عن تمويل الجامعة في عام رئاستها لها‏,‏ لكن هذا لم يحدث‏,‏ واختلف الرؤساء والقادة والزعماء التاريخيون أو الفلاسفة‏,‏ كما يرغبون‏,‏ وقد دار نقاش طويل حول هذه الميزانية‏,‏ برغم أنها أضعف من حصة أصغر دولة في الاتحاد الأوروبي‏,‏ فهكذا نتصرف ونفكر في عالم متغير؟‏!‏

وكان الموضوع الثالث والطويل أيضا‏,‏ هو أفكار العقيد معمر القذافي التي قيلت في جلستين‏,‏ إحداهما مغلقة والأخري علنية‏,‏ ومع الاحترام الكامل‏,‏ فإن صاحب الأفكار اعتبرها مجرد آراء للدراسة طرحها ليس بصفته رئيسا لدولة ليبيا‏,‏ بل كمفكر أو دارس تاريخ وعلم اجتماع‏,‏ واعتبرها مجرد مادة خام للمثقفين أو الأجيال القادمة‏,‏ ومن واجبنا أن نناقشها بحرية تامة‏,‏ كما ناقشها الرئيس بوتفليقة علانية بشكل جزئي‏.‏

بداية يجب أن نعترض علي تسمية الإرهاب الجاري بالإسلامي‏,‏ فحتي أكثر المتطرفين في عالمنا لم يستطيعوا أن يطلقوا علي إرهاب بن لادن والقاعدة إسلاميا‏,‏ فهم خوارج ومتطرفون يستغلون الدين وليس لهم تأثير في المنطقة‏,‏ ورغم شعورنا بالغبن من سياسة المجتمع الدولي‏,‏ فلا يمكن الربط بين تلك الحالة وبين الإرهاب‏,‏ فهذا ظلم فادح‏.‏

ويجب ألا ننسي أن الحروب العالمية اندلعت جميعا خارج منطقتنا وبعيدة عن ملتنا‏,‏ وضحاياها بمئات الملايين‏,‏ ومازالت مؤسسات المافيا والإرهاب العنصرية‏,‏ أوروبية وأمريكية وإفريقية مستمرة‏,‏ ولا يمكن أن نحصر الإرهاب في الدين الإسلامي‏,‏ كما فعل العقيد القذافي أمام القمة العربية في الجزائر‏,‏ ونعتبر هذا الطرح ظالما لنا‏,‏ ويجب تصحيحه حتي لا يعلق في ذهن أحد‏,‏ لأنه قيل من أحد زعمائنا وفي حضورهم‏.‏

أما قضية فلسطين فقد عرضها العقيد بشكل ساوي بين الظالم والمظلوم‏,‏ واتهم الجميع بالأغبياء‏,‏ وهذه نظرة غير عادلة‏,‏ كما أن مصالح منطقتنا وشعبنا الفلسطيني في قيام دولته المستقلة باتت حقيقة واضحة‏,‏ أما تركه تحت مقصلة الحكم الإسرائيلي والاحتلال‏,‏ حتي تتوافر دولة واحدة تسود فيها العدالة الطوباوية‏,‏ فأعتقد أنه فكر غير عملي‏,‏ ولا يمكن تحقيقه في أمد زمني منظور‏,‏ وهكذا انشغلت القمة بكل ما هو هامشي في حين أن المنطقة تواجه تطورات عالمية مخيفة‏.‏

وإصلاح الجامعة العربية الجزئي بقيام برلمان عربي بالتعيين ودون تمثيل حقيقي للشعوب العربية لا يكفي‏,‏ فنحن في حاجة إلي مجلس أمن عربي‏,‏ ومحكمة عدل عربية‏,‏ لا تجعلنا ضعفاء في حفظ حقوقنا أو عاجزين أمام جريمة مثل مقتل رفيق الحريري‏,‏ ولا نستطيع أن نحل أزمة متشابكة في علاقات شعبين عربيين في سوريا ولبنان‏.‏

فمتي نطرح تصورا شجاعا لإقامة تنظيم إقليمي عبر مؤسسات قادرة حماية للمستقبل العربي‏,‏ بدلا من الوضع الراهن الذي جعل البعض يطالب بتغييره؟ ونحن نعرف أننا إذا تخلصنا منه‏,‏ فلن نستطيع أن نبني نظاما جديدا‏.‏

لكن الوقت لم يضع بعد‏,‏ فلنبدأ الإصلاح الشامل القطري والجماعي معا‏,‏ حتي لا نترك مجتمعاتنا فريسة للقادم من الخارج‏,‏ فتبقي قضايانا بلا حل إلا بالتدخل الخارجي‏,‏ أو عبر المنظمات الدولية التي تفرض علينا حلولها بلا عدالة‏,‏ أو مراعاة لاعتبارات الخصوصية‏,‏ فنحن أولي بأن نأخذ أمورنا بالجدية اللازمة‏,‏ حتي نضع شعوبنا في مكانة تستحقها‏,‏ وكل قمة وأنتم بخير‏..‏

وإلي اللقاء في السودان بأسلوب ولغة جديدة‏..‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى