مقالات الأهرام اليومى

القرار التاريخي‏..‏ ومسئولياته

وضعنا الرئيس حسني مبارك جميعا أمام الاختبار الصعب‏,‏ وقام بتغيير سياسي حقيقي‏,‏ سوف ننتقل به إلي جمهورية جديدة‏,‏ أو إذا شئنا الدقة إلي جمهورية حقيقية‏,‏ ينتخب فيها الشعب الرئيس بلا وصاية من البرلمان‏,‏ أو من المؤسسات الكبري في بلادنا‏.‏
إنها مفاجأة من العيار الثقيل‏,‏ نقلت الحوار السياسي إلي مرحلة هي غاية في الدقة‏,‏ لأن قرار الرئيس‏-‏ باستخدام سلطاته الرئاسية بتعديل المادة‏76‏ من الدستور‏,‏ والخاصة باختيار رئيس الجمهورية بالاقتراع السري المباشر بين الناخبين‏,‏ بلا اختيار من البرلمان‏,‏ ثم استفتاء شعبي‏-‏ عبر بنا إلي مرحلة مختلفة‏,‏ أكثر حساسية في تاريخنا السياسي كله‏.‏

لكننا لم نختبرها بعد‏,‏ فهي تطرح تساؤلات مهمة أبرزها‏:‏ هل نملك البنية الأساسية‏,‏ اقتصاديا وسياسيا‏,‏ لهذا الاختبار الجاد؟ فرغم أننا في بلد تمتع في سنوات الثمانينيات والتسعينيات باستقرار كبير ومناخ جيد‏,‏ وعشنا من خلاله تجارب جادة للإصلاح الاقتصادي‏,‏ فإن نجاحاتها كانت محدودة‏,‏ ومع ذلك أدخلتنا مرحلة مبكرة في تحقيق الإصلاح السياسي من باب توسيع الحريات‏,‏ وسرعة قيام الأحزاب السياسية التي لم تستطع إلي الآن إثبات وجودها في الشارع السياسي‏.‏
قرار الرئيس مبارك يضع البرلمان والشعب أمام مسئولية كبيرة‏,‏ حيث فتح بابا واسعا لنقلة نوعية في الإصلاح السياسي‏,‏ ستجعل مسئوليات الأحزاب والشارع السياسي كبيرة أمام الشعب في المرحلة القادمة‏,‏ وإذا كان الباب مازال مفتوحا لمعرفة نتيجة هذا القرار علي أرض الواقع‏,‏ فإننا لن نتسرع في تقديم الأحكام‏,‏ لكننا نطرح المخاوف التي يجب أن يترقبها كل مواطن‏,‏ فليست المسئولية لجماعة دون غيرها بل هي مسئولية الشعب‏,‏ فقد انتهت الآن أية وصاية عليه ويجب أن نتحاور جميعا حول المستقبل‏,‏ ليكون الانتقال إليه مأمونا ومحسوبا وحذرا‏.‏

في الحقيقة جاء قرار الرئيس مبارك متسما بكثير من الجرأة والشجاعة في أن يعطي للشعب حق انتخاب رئيسه مباشرة‏,‏ مستبقا كل الاتجاهات في الأحزاب السياسية المجمعة علي انتخابه‏,‏ والتي كانت تتوقع أن يكون تعديل أو تغيير الدستور برنامجا للرئيس في المرحلة القادمة‏,‏ فإذا به يسارع بمطالبة مجلسي الشعب والشوري بتعديل المادة‏76‏ من دستور‏71‏ التي ظلت تحكم العملية الانتخابية منذ ذلك الوقت إلي ما قبل الانتخابات القادمة في هذا العام لاختيار الرئيس الجديد‏.‏
الرئيس مبارك بالقرار السياسي الذي أصدره يوم السبت‏26‏ فبراير‏2005,‏ أطلق إشارة جديدة للإصلاح السياسي‏,‏ و صداها لن يكون علي مستوي مصر وحدها‏,‏ بل علي المنطقة العربية كلها‏,‏ فمصر تملك مؤسسات وبنية للمجتمع المدني‏,‏ وحرية إعلامية كبري وأحزابا عديدة‏,‏ وتراثا وتاريخا في العمل السياسي‏,‏ ترسخت كلها في السنوات الأخيرة‏,‏ ولا تفوتنا هنا بالطبع الحقبة الليبرالية قبل الثورة‏,‏ حيث تلتحم هذه المراحل معا‏,‏ وتتجمع لتكون قادرة علي تقديم إفراز وتطور سياسي ذي أبعاد متعددة‏,‏ تقول في المرحلة الأولية إن المخزون الحضاري لمصر قادر في أوقات الأزمة العصيبة‏,‏ والتطورات التاريخية الحادة‏,‏ علي تقدم حلول للمستقبل‏,‏ لا تنقذ مصر وحدها‏,‏ بل تقدم لإقليمها ومنطقتها شكلا لنظام سياسي يستوعب التعدد الحقيقي واختيار القيادات‏.‏

كما أن الرئيس مبارك بهذه الخطوة أيضا يعمق في الضمير المصري رؤية سياسية ناضجة‏,‏ إدراكا منه لدوره التاريخي خلال فترة توليه الرئاسة‏,‏ والطريقة المثالية التي وصل بها إلي سدة الحكم‏,‏ فقدم دورا حقيقيا كان ولا يزال هو الضمانة الوحيدة لتحقيقه وإنجاحه بلا مخاوف كبيرة‏.‏
مبارك هنا يدشن مرحلة تاريخية ومسلكا نظيفا بإعطاء حق كان قد حصل عليه بإجماع شعبي‏,‏ وخلال عمل‏,‏ منظم‏,‏ فنقله إلي أصحابه في وقت دقيق وصعب‏,‏ ووسط حالة من الاختبار والترقب محليا وإقليميا ودوليا‏.‏

هذه اللحظة بكل دقتها تطرح علي الوطن‏-‏ شعبا ونخبا وأحزابا وجمعيات‏-‏ عقدا اجتماعيا جديدا‏,‏ نقول إن عنوانه هو أن مسئولية الشعب في الاختيار تعني أن لحظة فطام الشعب من الحكومة قد حانت‏,‏ وأن هناك مسئوليات جديدة للعمل‏,‏ سوف يشارك فيها الجميع‏,‏ فلم يعد الأمر مسئولية الحكومة وحدها‏,‏ بل مسئولية شعب وبرامج واختيارات‏,‏ فهل هذه المسئوليات سوف تجد من يتحملها؟
فالحوار الوطني سوف ينتقل إلي مرحلة جديدة‏,‏ والرئيس مبارك‏,‏ كعادته في احترامه لمسئولياته ودوره وقسمه وتاريخه‏,‏ قدم برنامجا من عشر نقاط‏,‏ يراعي الالتزام بحقوق المواطنة بلا تمييز‏,‏ وتعزيز الحقوق الأساسية للمواطنين‏,‏ وترسيخ دولة القانون‏,‏ وتعظيم الجهود بتحديث العلاقة بين المواطن والدولة‏,‏ عبر الارتقاء بالخدمات‏,‏ ومواصلة الإصلاح الاقتصادي بالاستثمار والتنمية البشرية إضافة إلي الإصلاح السياسي بتفعيل الحياة الحزبية‏,‏ وتشجيع المبادرة علي الصعيدين السياسي والاقتصادي مع الحفاظ علي دور مصر الإقليمي والعالمي‏.‏

إنها مرحلة فاصلة بحق‏,‏ وعلينا جميعا أن نمسك بخيوطها‏,‏ ونجري التغييرات الداخلية في أنفسنا ومؤسساتنا‏,‏ حتي نكون قادرين علي الإمساك بالفرصة التاريخية التي يقدمها الرئيس مبارك إلي شعبه‏.‏
لقد قلناها مرارا‏,‏ إن ثقتنا في الرئيس مبارك بلا حدود‏,‏ وها هي خطواته تثبت أن قدرته ورؤيته تسبق الجميع‏,‏ وتضعهم جميعا أمام مسئولياتهم‏.‏

فهل نخفف من الشعارات والأوهام‏,‏ ونتجه إلي عمل صحيح وصعب يدعونا إليه مبارك من أجل بلدنا؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى