مقالات الأهرام اليومى

الحوار‏..‏ والإصلاح السياسي

مشهد الحوار بين الأحزاب المصرية‏,‏ جاء كرسالة تبرهن علي أن الأوضاع السياسية الصحيحة‏,‏ والاستقرار الذي عاشته مصر في السنوات الماضية‏,‏ أصبح قادرا علي إفراز مناخ سياسي مختلف وجديد‏,‏ يولد نظاما سياسيا‏,‏ يمكن وضعه‏,‏ بالمعايير العالمية‏,‏ في خانة الديموقراطية‏.‏
فقد أعطي مشهد هذا الحوار الخلاق بين‏15‏ حزبا مصريا‏,‏ مؤشرا إيجابيا نحو تحقيق هذا الهدف‏,‏ خاصة اتفاق الأحزاب حول رؤية المراجعة للدستور في المستقبل‏,‏ وعدم اعتباره نهاية المطاف‏,‏ إنما بداية طريق لإعلاء شأن سياسات تبدأ بالتغييرات الجوهرية في القوانين الحاكمة للحياة السياسية‏,‏ والاستفادة بها في الانتخابات البرلمانية المقبلة‏.‏

ففي حالة نجاحها من الممكن أن يحدث تحول كبير‏,‏ فتظهر مؤسسات سياسية فعالة‏,‏ وقادرة علي ضبط حياتنا السياسية‏,‏ ترسل الرسالة الأولي التي تنتظرها المنطقة من مصر‏,‏ لنؤكد بها أن انتخاباتنا‏,‏ وتشكيل المجلس النيابي من كل التيارات السياسية‏,‏ هو تعبير الشعب عن نفسه في اختيار نائبه القادر علي تمثيله‏,‏ والرقابة باسمه علي كل السياسات التي تتخذها الحكومة‏,‏ وتقديمه التشريع المناسب والدقيق‏.‏
ولأن التشريعات وحدها ليست صانعة النجاح والتقدم‏,‏ والفعالية في الحياة السياسية‏,‏ فقد اتفقت غالبية الأحزاب مع حزب الأغلبية‏,‏ علي إنهاء الاحتكار في الحياة السياسية‏,‏ وباتوا جميعا علي قدم المساواة‏,‏ وبالتالي يجب أن يجددوا صلتهم بالشارع السياسي‏,‏ ويقدموا أنماطا جديدة‏,‏ ومتطورة في العمل الحزبي‏,‏ وأبرزها فاعليتهم واحتكاكهم بدوائرهم‏,‏ لأنهم جميعا‏,‏ أمام مهمة صعبة ومباشرة‏,‏ وهي أن اختياراتهم للنواب المقبلين في البرلمان‏,‏ يجب أن تكون من بين الشخصيات المؤهلة وتتصف بالسمعة والنزاهة‏,‏ فالشعبية هنا ضرورية‏,‏ لإظهار مدي قدرة الحزب علي العمل الجماعي في الدوائر الانتخابية‏,‏ خاصة أن نظامنا الانتخابي الحالي الفردي يخلق الاحتكاك المباشر بين النائب ودائرته‏.‏

وبالرغم من أن نسبة العمال والفلاحين‏50%‏ تمثل قيدا علي عملية الانتخاب الحر‏,‏ فإننا نستطيع تلافي اثرها السلبي باختيار شخصيات ذوي خبرات بين العمال والفلاحين‏,‏ ويجب أن نقدمها بدلا من أصحاب الصوت الأعلي‏,‏ أو المصالح الشخصية والضيقة‏,‏ وهي تستطيع أن تعطي تمثيلا جيدا في البرلمان المقبل‏,‏ حتي نتخلص من الآفات والأمراض التي أصابت برلماناتنا وسمعتها في السنوات الماضية من نواب القروض إلي الكيف‏,‏ ونرجو أن تكون اختيارات الأحزاب لمرشحيها متسمة بالكفاءة والنزاهة والبعد عن الشبهات‏,‏ مع إعادة تحديد الدوائر الانتخابية‏,‏ والاتفاق علي التنسيق والتعاون بين مجلسي الشعب والشوري لتحقيق التنوع المرغوب فيه من وجود مجلسين‏.‏
وفي حالة الاتفاق بين الأحزاب جميعا‏,‏ فمن المستحب أن تكون إدارة عملية الانتخاب بالكامل‏,‏ تحت إشراف لجنة عليا للانتخابات‏,‏ تظهر كشخصية اعتبارية مستقلة‏,‏ تتولي الإشراف علي جميع الجوانب المختلفة للعملية الانتخابية‏,‏ بدءا من وضع قواعد تحديث الجداول الانتخابية‏,‏ وانتهاء بإعلان النتائج‏,‏ مع تغليظ العقوبات علي كل جرائم الانتخابات‏,‏ من التزوير وانتحال الصفة إلي البلطجة واستخدام المال للتأثير علي الناخبين‏.‏

ولعلنا هنا نشير إلي أن الحياة الحزبية في مصر‏,‏ تحتاج إلي ميثاق شرف يضمن أن تكون المعارك الانتخابية شريفة‏,‏ ولا يلجأ المرشحون إلي استخدام عمليات القتل المعنوي أو التشهير ببعضهم البعض‏,‏ لأن هذا يسيء إلي العملية الانتخابية ويهدد الاستقرار‏,‏ ويؤثر علي سمعة الحياة السياسية في مصر‏.‏
والأهم أنه يجب أن يمتد هذا الحوار إلي ضرورة أن تقوم الحكومة بتمويل الأحزاب أثناء العملية الانتخابية‏,‏ حتي لا تترك نهبا للتمويل الخارجي لإفساد الحياة الحزبية‏,‏ وأن تقوم لجنة الانتخابات المقترحة بمراقبة الأحزاب‏,‏ حتي تتأكد من أن أي تمويل أو تبرعات تحصل عليها الأحزاب تذهب مباشرة إلي العملية الانتخابية‏.‏

فالتركيز علي اختيار برلمان قوي بمواصفات وبمعايير جديدة‏,‏ سيكون تغييرا كبيرا في أوضاع مصر‏,‏ ويعطي مناعة للحياة السياسية‏,‏ ويحميها في المستقبل من أي تدخلات‏,‏ وسيكون نواة لتغيير كبير في شكل الحكومة التنفيذية في المستقبل‏,‏ التي يجب أن تعتمد علي الحزب القوي الفائز بالأغلبية في البرلمان‏,‏ سواء بمفرده أم في إطار توافق وائتلاف وتعاون مع حزب أو مجموعة أحزاب أخري متوافقة معه‏,‏ ويعتبر ذلك خطوة ضرورية ومهمة لمستقبل الإصلاح السياسي والتغيير في بلدنا‏,‏ ليكون تجربة عملية تعكس رؤية كل الاتجاهات الجديدة في الدستور المرتقب علي أن نعطي للمجلسين الجديدين المنتخبين‏(‏ الشعب والشوري‏)‏ فرصة الدراسة بالتعاون مع مجموعات من الشخصيات السياسية ذوي الخبرة المستقلة‏,‏ لتكوين مجموعة وطنية تقوم‏,‏ بعد الانتخابات‏,‏ بإعداد تصور مستقبلي للدستور الجديد في مصر‏.‏
فليس تعديل الدستور بالمسألة الهينة في أية دولة‏,‏ فالبحث في تغيير الدستور‏,‏ ليس له محل إذا لم تكن له أسباب مقنعة‏,‏ وهناك رغبة لإجراء الكثير من التعديلات الجوهرية‏,‏ بعد أن تخطت أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الواقع العملي‏(‏ لدستور‏71),‏ وأصبح متخلفا بشهادة الكثير من الخبراء عن ركب التقدم الذي تحقق في عهد الرئيس حسني مبارك‏.‏

واستمرا ر الحوار بين الأحزاب‏,‏ وداخل المجتمع المدني‏,‏ والجامعات والنقابات سوف يضمن انتخابات حرة ونزيهة‏,‏ ثم نذهب ـ بعدها ـ لوضع دستور جديد‏,‏ وسيكون رسالة كبري عن تحضر مصر ومكانتها ودورها الرائد إقليميا وعالميا‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى