متاعب عودة الحجاج

لم أقابل أحدا هذا العام, عاد من موسم الحج, ولم يشتك من مصر للطيران, خاصة في رحلة العودة, وكنت أنتظر أن التغييرات والتطورات التي تحدث في الشركة الوطنية, أو في تحديث مطار القاهرة, وكل المطارات المصرية, سوف تمتد إلي المواسم الكبيرة, وإذا كنا نعرف أن الحج موسم كبير يتكرر سنويا, ولا يأتي فجأة, فكان من الضروري وبحكم العادة, أن تكون لدينا القدرة علي إدارة هذه الحركة الكبيرة بشكل أكثر كفاءة.
وإذا زدنا علي ذلك أن الحج ليس وحده, موسم كثافة السفر للأراضي المقدسة, لأنه أمر متكرر في زيارات المعتمرين إلي بيت الله في رمضان, وقبل العيد, ولأن الشركة الوطنية تحتكر السفر الواسع لمواطنيها, وتفرض الأسعار التي تريدها, وتأخذ حقها تماما من المسافرين والحجاج, فكان يجب أن تعطيهم حقوقهم وتتعامل معهم بآدمية تتسم بالاحترام, وتستقبلهم مثلما تستقبل الشركات الأخري عملاءها, فتوفر لهم كل الخدمات براحة ويسر عند السفر والعودة.
وتأتي الشكوي من أنهم يتعاملون مع الطائرات ـ مثلما وصف لي أحد العائدين ـ وكأنهم في موقف للميكروباص, فعمليات شحن الحجاج, الحقائب, تتم بعشوائية كاملة, وليس هناك تعامل أو معايير أو احترام للمواعيد والحجز, والحجاج العائدون يعانون زحاما غير منطقي ومشاجرات وخناقات, ويتم شحنهم بشكل مثير, كان مسار استغراب كل شركات الطيران في مدينة الحجاج بجدة, حيث مازلنا بعيدين جدا عن الأسلوب العلمي والتنظيمي في التعامل مع الكثافات الكبيرة,.
وقد نعذر العاملين, إذا كنا وحدنا في هذا العالم الذي يتعامل مع الأعداد الكبيرة وفي وقت قياسي, ولكن هذه العملية تقوم بها معظم الشركات, وهناك أساليب عصرية للتعامل, فهل نستوردها أم نستورد أطقم إدارة كفؤة من الخارج تتعامل مع الحجاج بإنسانية, لا تزيد من معاناتهم, وإذا كان الحج مشقة, فيجب أن يكون السفر متعة, وليس عبئا, وأن تكون العودة مريحة ومنظمة, وليس ركوبا للصعب والمعاناة, ولا يعود الراكب بدون حقائبه.
أعتقد أن الفريق أحمد شفيق, وزير الطيران, يجب أن يكون لجنة تحقيق لمعرفة كيف يمكن أن تكون شركتنا الوطنية قادرة علي التعامل مع الأعداد الكبيرة, خاصة في موسم الحج, فقد تؤثر دعوة الحاج علي مستقبل وسمعة شركتنا في المستقبل.
وليست المطارات وحدها هي التي في حاجة إلي إعادة نظر, ولكن الموانيء أيضا فهي الأخري ضعيفة الإمكانات, وتبحث عن الاهتمام والمتابعة, فقد قمت برحلة برية بالسيارة من ميناء نويبع, وهو مرفأ مهم جدا, خاصة لسياحة السيارات العائلية, إلي منطقة الخليج والشام, وسوف تتزايد في المرحلة القادمة سياحة الرحلات والسيارات في تلك المنطقة, ويجب أن أقول ـ من واقع ما رأيته ـ إن المسئولية لا تقع علي العاملين في المرفأ, فهم يعملون تحت ظروف صعبة, وبلا إمكانات أو اهتمام أو رعاية, وإذا عقدنا مقارنة بين نويبع كمدخل حدودي, ومناطق الحدود الأردنية أو السورية أو اللبنانية, فسنجد أسواقا حرة وإمكانات كبيرة, واهتماما متزايدا بالزائرين, فالتنافس علي أشده, فالسوريون واللبنانيون يقيمون علي حدودهم أسواقا حرة متميزة مثيرة للدهشة, والعاملون هناك علي كفاءة وقدرة عالية وضيافة محترمة, وسرعة في التحرك.
وإذا وضعنا ترتيبا للداخلين والخارجين في ميناء نويبع في رحلة برية, فسوف نجد الأوائل هم الأردنيون, فاللبنانيون, ثم السوريون, بينما مرفأ نويبع يحصل بكل جدارة علي الموقع الأخير, من حيث الإمكانات وطريقة التعامل مع الزائرين, فهو دون المنافسة بالرغم من أننا الأكثر حاجة إلي السياحة البينية العربية.
ومازلنا غير مدركين أن ميناء نويبع وحده, من الممكن أن يكون نقطة جذب مهمة لكل دول الخليج والشام, خاصة أن سياحة السيارات في تلك المنطقة أصبحت حيوية, وأن هناك رغبة في زيارة المناطق السياحية في جنوب سيناء وشمالها, فالحدود المرنة والمفتوحة هي التي توفر جودة الخدمات وتتمتع بكفاءة العاملين.
فقد أوضحت لي رحلة برية عبر العواصم العربية مدي تغير العالم والمنطقة, وأن البحر أو الطرق البرية واللنشات والسيارات أصبحت تنافس المطارات والطائرات, وأن المنافذ الجمركية من المطار إلي الميناء والخدمات حولها, وشكل الإنسان الذي يعمل فيها أو داخلها أصبحت كلها عناوين مهمة للاقتصاد الحديث.
أعتقد أن تجاوز الجهل والضعف وقلة الإمكانات وعدم التنظيم وضعف المؤسسات سوف تحل تماما كل المشاكل السياسية الكبيرة, إذاوضعنا كل فرد في مكانه الصحيح, وبإمكانات مناسبة وظروف جيدة, سوف نولد مزيدا من النمو, ونخلق الوظائف ونتطور, ونحل كل مشاكلنا المستعصية.
هذه هي صيغ العمل في العالم الجديد وآليات التعاون والتفكير المشترك, التي تخلق وتستثمر الإمكانات التي بين أيدينا, وتزاوج بينها, لصنع العالم الذي ننشده, والوحدة التي نترقبها.