مقالات الأهرام اليومى

أزمة استثمارية‏..‏ وإدارة حكومية مختلفة

دخلت استثمارات مصرية إلي العراق خلال أعوام الأزمة والاحتلال‏,‏ وأتيحت لي فرصة التعرف علي رأي العراقيين فيها‏,‏ عبر حوار صريح حضرته مع وفد الصحفيين الاقتصاديين العراقيين الذين انضموا لأول دورة تدريبة تنظم لهم في مصر داخل معهد الأهرام الإقليمي للصحافة‏.‏
وفي نفس الوقت كان هناك زملاء صحفيون‏,‏ عرب ومصريون‏,‏ يشاركون في حوار آخر‏,‏ مع وزير التنمية الإدارية د‏.‏ أحمد درويش‏,‏ في هذا البرنامج نفسه‏,‏ وكشف لي هذا الحوار أن الحكومة في مصر بدأت تدخل بثقة إلي عصر حكومة إلكترونية‏,‏ لا تبسط فيه الإجراءات فقط بل تنهي دولة الموظفين والبيروقراطية المصرية العتيقة‏,‏ لتشارك مع المتطورين في صنع عالم جديد‏.‏

وكان الخيط الذي ربط بين كل هذه الموضوعات‏,‏ هو أننا من خلال العمل في معهد الأهرام الإقليمي للصحافة‏,‏ نركز علي التنمية البشرية بالتدريب‏,‏علي اعتباره مدخلا‏,‏ لا غني عنه‏,‏ للتطوير والنمو‏,‏ ولأن الصحافة الاقتصادية أصبحت جزءا رئيسيا ومهما في نسيج صناعة الصحف ووسائل الإعلام‏,‏ فقد نظمنا دورة اخترنا محرريها بعناية‏,‏ شارك فيها نحو‏60‏ صحفيا‏,‏ من مصر وكل الدول العربية‏,‏ التقوا في ورشة عمل اقتصادية‏,‏ وانضم إليهم تسعة صحفيين يمثلون الإعلام العراقي‏,‏ جاءوا إلينا من قلب الأزمة‏,‏ لنستمع إليهم‏,‏ ونعرف منهم الأحداث التي تجري هناك بلا رتوش‏.‏
وعبر هذا البرنامج قدمت شخصيا ثلاثة حوارات مهمة إلي هؤلاء الزملاء‏,‏ كان الأول مع الأستاذ إبراهيم نافع‏,‏ باعتباره من أهم الكتاب العرب‏,‏ ورئيس اتحاد الصحفيين العرب‏.‏ والحوار الثاني تم حسب طلب الإخوة العراقيين مع نجيب ساويرس‏,‏ رجل الأعمال المصري الوحيد الذي دخل باستثماراته إلي العراق في مجال الإعلام والاتصالات‏,‏ أما الحوار الأخير‏,‏ فكان حول ما يجري في مصر من تطوير إداري واقتصادي مع الدكتور أحمد درويش‏,‏ وزير التنمية الإدارية‏.‏

كان الحوار الأول مع كاتب سياسي مرموق‏,‏ فجاء النقاش سياسيا وصحافيا‏,‏ وفيه ركز الكتاب والصحفيون العرب‏,‏ تساؤلاتهم حول معرفة رأيه في كيفية خلاص العراق من كارثته‏,‏ وقد كان واضحا معهم عندما قال لهم إن العراقيين وحدهم هم القادرون علي اجتياز تلك الأزمة بكل أبعادها وتداعياتها المخيفة‏.‏
أما الحوار الثاني فدار حول عالم الأعمال‏,‏ مع نجيب ساويرس‏,‏ وفيه واجه انتقادات‏,‏ وثناء في نفس الوقت من الإعلاميين العراقيين‏,‏ فقد انصب النقد حول خدمة التليفون المحمول‏,‏ أما الثناء فكان حول محطة التليفزيون الجديدة التي أنشأها‏.‏ ففي خدمة المحمول قالوا إنها خدمة سيئة ولا تلبي رغباتهم‏,‏ ومعطلة معظم الوقت‏,‏ فشرح لهم رجل الأعمال المصري كيف أنه يعاني من وجوده في العراق‏,‏ وكشف لهم أن هناك تشويشا من قوات الاحتلال ضد شبكات المحمول في العراق‏,‏ وأن عملية السرقة والسطو لا حدود لها‏,‏ ورغم أن أعداد العاملين في الحراسات كبيرة‏,‏ فإنه لا يتمكن من عمل الصيانة التي تحمي الشبكة‏,‏ وقد كانت هذه المواجهة مع الإعلاميين العراقيين صريحة‏,‏ حيث قالوا إنه كان يجب عليه أن يعرف الظروف التي يعيشها العراق ليتكيف معها‏.‏

ولحظتها شعرت بأزمة رأس المال عندما يدخل للاستثمار في مناطق الأزمات والحروب‏,‏ حيث يتعرض لمشاكل وظروف خطيرة‏,‏ أهمها عدم القدرة علي إرضاء عملائه أو مستخدمي خدماته‏,‏ وهي أقسي تجربة يمكن أن تمر بها أي شركة أو مستثمر‏.‏
ومن خلال هذا الحوار أدركت أهمية أن يشعر المستثمر العربي بظروف وأوضاع بلادنا‏,‏ فيجعل من أهم أهدافه تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للعاملين معه‏,‏ لمساعدة المجتمع في التنمية والخروج به من الأزمات‏,‏ وهذا ما وجدته في الاستثمارات المصرية في العراق‏,‏ فقد ذهبت وقت الأزمة لتقول للعراقيين نحن معكم ونشارككم مخاض التغيير‏,‏ ولن نتخلي عنكم‏,‏ وسوف نبذل قصاري جهودنا في هذا الاتجاه‏.‏

أما الحوار الثالث‏,‏ فقد شارك فيه عقل مصري متفتح‏,‏ يملك رؤية تحديثية للجهاز الحكومي لجعله حيويا‏,‏ فقد شرح د‏.‏ أحمد درويش تجربته بقوله إنه يرفض فكرة تبسيط الإجراءات في حد ذاتها بل يري أنه يجب الاتجاه نحو إنهائها أو إسقاطها‏,‏ مع تنفيذها باستخدام الوسائل التكنولوجية الجديدة‏,‏ وقال إن الاتجاه الآن يجري لاستخراج شهادات الميلاد‏,‏ ورخص قيادة السيارات ومعظم الخدمات الحكومية للمواطنين‏,‏ ورجال الأعمال عبر نافذة الوسائل الجديدة‏.‏
لكن التساؤلات لاتزال كثيرة حول كيفية تخلص الحكومة من حالة الترهل والأعداد الكبيرة‏,‏ فهناك خطط لتقسيمها وتدريبها‏,‏ مثل عمالة الخدمات‏,‏ بتحويلها إلي شركات جديدة‏,‏ علي أن تعطي الحكومة هذه الخدمات إلي شركات متخصصة‏,‏ وتنقل العاملين إليها‏,‏ وترفع كفاءتهم‏,‏ بإعادة تدريبهم‏,‏ وهي خطط قد تحتاج إلي سنوات‏,‏ لكن يكفي أن نبدأ في هذا التدريب حتي لا نستمر في حكومة العمالة الكبيرة‏,‏ التي تعوق التقدم والنمو‏,‏ علي أن نبدأ أيضا بتغيير ما تعودنا عليه‏,‏ من خلال تطويره وتحديثه وتقديمه في ثوب جديد‏,‏ والأهم تطوير القيادات الحكومية‏,‏ وتهيئة المناخ المناسب لتعمل في ظروف أفضل‏,‏ وجعل مستواها تنافسيا مع القطاع الخاص‏,‏ حتي يعود إلي الموظف الحكومي رونقه ومكانته في المجتمع‏,‏ فالموظفون في الحكومة هم الذراع القوية لتنفيذ السياسات الإصلاحية‏,‏ وإذا لم نتمكن من إعادة قوة الموظف ومكانته‏,‏ ستكون الأداة التنفيذية للبرامج الإصلاحية ضعيفة‏,‏ ولا يمكن لها أن تحقق الأهداف‏,‏ وعندماتصبح مكانة موظف الحكومة قوية سوف نستطيع أن نقول إن برامجنا للإصلاح‏,‏ سواء كانت سياسية أم اقتصادية ستؤتي ثمارها‏.‏

إن الحوار حول قضايا الاستثمارات المصرية في الخارج‏,‏ وتطوير الجهاز الإداري للدولة في مائدة الإعلاميين بمعهد الأهرام‏,‏ أعطاني ثقة في قدرات مصر الاقتصادية‏,‏ نحو التغيير والتطوير وبناء نظام فاعل‏,‏ محليا وإقليميا‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى