وقفة مع الجماعة المحظورة

جرت في نهر الحياة المصرية هذا الأسبوع مياه كتلك التي جرت من قبل وأثارت لدي البعض شيئا من المخاوف, بينما استهان البعض الآخر بها, وغض الطرف عنها, وتناسي هؤلاء أن تراكم المياه يحولها إلي فيضان مدمر يجرف أمامه كل شيء من الحرث إلي النسل. وفيما يبدو فإن الأصوات التي حذرت مما نحن فيه أو مما نحن مقبلون عليه, قد توارت وراء ضجيج شارك فيه كثيرون في قضايا بعضها يستحق الاهتمام وكثير منها لايستحق.والمياه التي جرت في حياتنا هذا الأسبوع هي مياه تكونت من قطرات ظلت تتجمع دون اكتراث أو اهتمام حتي أصبحت قادرة علي شق طريق لها في نهر الحياة السياسية المصرية. فمنذ وقت طويل لم تلق العلاقة بين الإخوان والإسلام والسياسة اهتماما كبيرا يصبح معه الرأي العام المصري علي وعي بأبعاد تلك العلاقة, ويكون قادرا علي فهم طبيعة القوي السياسية التي تداعب عواطفه الدينية لأهداف ليست من الدين في شئ, وأيضا القوي الأخري التي تستثمر مشكلات الحياة اليومية في تعبئة مشاعر السخط والغضب لأهداف تعنيها هي ولاتعني جموع المصريين.وآن الأوان لوقفة تعيد النظام إلي حياتنا السياسية, في مجتمع لابد أن يشكل تنفيذ القانون اللبنة الأولي في بنائه, فلقد تساهلت القوانين كثيرا مع الجميع حتي أورثتنا ما نحن فيه وما نحن مقبلون عليه. تساهلت في تعبئة مشاعر السخط وإهالة التراب علي كل شئ وتساهلت في حساب المخطئين وفي الدفاع عن حماة مصالح الوطن, وأصبح الالتفاف علي القوانين هو السلوك المعتاد في السياسة, بل وفي كل نواحي الحياة. وقضية تطبيق القانون لاتخص جماعة أو حزبا أو حتي فردا دون آخر, فالقانون لا ولاية عليه, ومن هنا فإن الأحداث الأخيرة التي شهدتها جامعة الأزهر تضع القائمين علي هذه الأحداث ومن هم وراءها في دائرة الضوء بحكم الخطر الذي جاءت به إلي حياتنا الجامعية والسياسية. فهي أحداث ينبغي عدم النظر إليها باعتبارها عملا يتسم بشيء من تهور بضع عشرات من شباب يعانون شيئا من الإحباط. من منطلق أن ما يتعلق بالشباب يلقي تسامحا كبيرا من الثقافة المصرية التي تحنو كثيرا علي الأبناء والأجيال الجديدة. فهذا التهور ينطوي علي تهديد أمن المجتمع ونظامه ولم يكن مبعث حمية الشباب وحماسه, إذ إن هناك قوي هي التي استنفرته ونحن نعلم جميعا أن هذه القوي لن تترك فرصة من أجل تحقيق مآربها السياسية إلا وبادرت إلي انتهازها حتي وإن ضحت في سبيلها بالشباب الذي تستخدمه في كل مرة. الآفة السياسية الداخلية الكبري إن القضية الآن, كما شهدها الحرم الجامعي, أصبحت قضية مجتمع يخشي علي أمنه واستقراره ويخشي أيضا علي نظامه, الذي يكفل له استمرار الحياة, ولم تعد الدولة وحدها هي المسئولة وإنما نحن جميعا شركاء في المسئولية لوقف خروج هذا التيار المستمر علي القانون تحت سمع وبصر الدولة. فالدولة المصرية هي التي أنهت الوجود الشرعي لجماعة الإخوان بذنوبها وجرائمها في الأربعينيات والخمسينيات, وهي التي سمحت لها أيضا ـ في تغييب واضح للقانون ـ بأن تدخل النظام السياسي من باب المعارضة باسمها المحظور, وأن تشكل في البرلمان باسمها كتلة, وأن تظهر بالاسم نفسه في وسائل الإعلام وأن تعلن تكفيرها رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقافة لتغري بهما بعض متطرفيها, والدولة المصرية هي التي تغاضت عن كلمات مرشدها الذي يزدري مصر الوطن والحصن, وسمحت لها بأن تمارس مساعيها للوصول إلي أهدافها من داخل البرلمان وهو ما لم يتحقق لها في أي وقت من تاريخها منذ إنشائها عام1928, وقد لقيت الدولة من الإخوان الكثير لقاء تسامحها المفرط مع تلك الجماعة من عبث وإثارة وفتن في كل مجال وهي الجماعة التي تشهد العقود الثمانية التي مضت من تاريخها بأنها جماعة سياسية لم تنفع الدين أو المجتمع يوما, وقد قنعت بوقفتها إلي جوار مخزون التدين العميق لدي المصريين, تستخدمه وقودا لأهدافها ومطية لأغراضها. | |
لا للجماعة المحظورة.. الأزهر سيظل ساحة الاعتدال لقد كان رهان الإخوان دائما علي الشباب بحماسه وقلة خبرته ولم يجدوا أفضل من الجامعات مركزا لتفعيل استراتيجية عملهم. واختاروا عرض فتوة شبابهم وإرهاب المجتمع بهم ضمنيا في صورة مظاهرة احتجاج بملابس وأقنعة سوداء, وراح هؤلاء الشباب يستعرضون مهارات قتالية في أجواء تغمرها أغنيات الجهاد والاستشهاد. وهكذا أصبحت جامعة الأزهر ـ حصن الإسلام الرشيد علي مر العصور ـ ساحة للظهور بهذا المظهر الجديد والمخيف بمعناه وليس بحجمه وقوته. فالأزهر الذي سبقت رسالته ودوره ظهور تلك الجماعة بقرون طويلة, والذي وقف بسماحته وفهمه العميق للإسلام أمام طموحات الجماعة وأطروحاتها الدينية المغلوطة, أصبح اليوم ساحة لاستعراض قوتها وكان منظر فتية الأزهر في ساحة جامعته وهم يرتدون الملابس والأقنعة السوداء رسالة من الجماعة تقول إن الخصومة قد انتهت مع الأزهر, وإن فكر الجماعة قد غزا حصن الإسلام الأول في العالم الإسلامي.وكنت أتوقع من علماء الأزهر وقفة تليق بهم وبمكانتهم مما حدث في جامعتهم ومن طلابهم. فلقد أرسل المصريون أبناءهم إلي الأزهر لتحصيل علوم الدين الإسلامي والعلوم العصرية الحديثة علي الوجه الذي يخدم الإسلام والمسلمين في دنياهم وآخرتهم. صحيح أن الأغلبية الساحقة من علماء وطلاب الأزهر يقفون عند حدود الإسلام الصحيح ويذودون عنه ضد كل معتد ومتطرف, إلا أن خروج بعض الطلاب بهذا الشكل الذي ظهروا به يسيء إلي رسالة الأزهر وتاريخه. فليس في مناهج الأزهر ولا بين أساتذته من يدعو إلي التطرف والخروج علي المجتمع, كما أن قاعات العلوم الشرعية ليست ساحة للمناورات السياسية وخلط أحكام الدين بأهداف جماعة الإخوان.إن هذه الجماعة كانت في ماضيها مصدر إلهام لكل جماعات التطرف في مصر وخارجها. فالذين روعوا الآمنين في ديارهم واغتالوا أرواح الأبرياء ونشروا الرعب بين المسلمين خرجوا من تحت عباءة الإخوان. واليوم تطل علينا تلك الجماعة بوجه استوردته هذه المرة من خارج البلاد ويبدو أن التكفير لم يعد سلاحا كافيا لنشر عقيدتها, فانتقلت إلي مرحلة جديدة أعلنت عن مقدماتها صراحة في جامعة الأزهر, ومن قبلها في جامعة عين شمس, وفي كل الأحداث الساخنة التي شهدها الشارع السياسي المصري في الأشهر الماضية, وإن كان ذلك بشكل مستتر. فالإخوان يريدون اليوم اتحادا بديلا للطلاب وآخر بديلا للعمال وغدا ربما يفكرون في كيانات بديلة لجميع أجهزة الدولة تخضع لمشيئة المرشد العام وقيادات جماعته. ولقد سبق أن كتبت أنهم في انتظار ما لايجيء وأن مصر بفهمها الحقيقي لدين الله وبعلمائها الثقات أجل وأسمي من أن تخضع لجماعة لطخت يديها بدماء المسلمين ولم يصدر عنها يوما ما يدفع عن الإسلام أعداءه ويرد عنه مفتريات كثيرة, كما أنها حصرت أهدافها في سدة الحكم التي تحاول الوصول إليها بستار ديني كاذب. دور مصر في الداخل ولمنطقتها ويجب أن ندرك أن التنمية وعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي ليست برنامجا تنفذه الحكومة أو النظام فقط.. وإنما هي عملية مجتمعية طويلة المدي, تحدث تغييرا في الفرد والمؤسسة.. كما ينبغي أن ندرك أيضا أن هناك قوي تخلف داخلية تتربص بها, وأبرزها تلك الجماعات التي ترفع الشعارات الدينية, وحتي تنجح برامجنا وتستمر يجب أن نحاصر آثارها السلبية ونضعها في حجمها الطبيعي دون تهويل أو تهوين, وذلك من خلال تطبيق صارم وحاسم للقانون, خاصة في تلك المرحلة الحساسة في تاريخ المنطقة, التي تريد القوي الكبري والقوي الإقليمية تحويلها إلي ساحة للحروب الدينية والطائفية. إن مصر يجب أن تظل قوية داخليا حتي تستطيع مواجهة المخطط الخارجي بكل مخاطره, وهذا يقتضي محاصرة كل طابور خامس يعمل مع الخارج لإضعافها خارجيا مستغلا مناخ الحرية وبرامج الإصلاح الجذرية والمتواصلة, ومستغلا أيضا أخطاءنا الداخلية وتأثيراتها السلبية علي الجميع. فلقد حانت لحظة اليقظة خصوصا ونحن نري مايحدث حولنا, في فلسطين والعراق ولبنان بل في معظم دول الخليج, وأيضا تأثيرات الاستقطاب ضد المصالح العربية والتي وصلت إلي حروب أهلية وتجميد وتخريب السياسات الوطنية لهذه البلدان. | |