قبل الكارثة الفلسطينيون تحت الاحتلال وثلاثيـة السـلطة!

تمر القضية الفلسطينية الآن بمرحلة حرجة وصعبة للغاية. فلم تكن أجواء أو شبح الحرب الأهلية علي المسرح الفلسطيني بمثل الدرجة التي هي عليها اليوم. بل إن صراع الفلسطينيين علي السلطة قد بلغ أشده. وأصبح هدفا يفوق مصير الشعب والقضية الفلسطينية معا. بل وأصبح يسبق ثورتهم علي الاحتلال وتقرير المصير.. وهذه إحدي علامات الخطر ومكمن المخاوف علي المستقبل كله ليس علي قضية فلسطين وحدها, بل علي المنطقة كلها. ويقودنا هذا الموقف إلي الخيار الأسوأ, الذي لم نكن نتوقعه علي الإطلاق وهو أننا نعطي الاحتلال الإسرائيلي البشع فرصة الإفلات من جريمته وإلقاء المسئولية علي الضحايا أنفسهم. إنه لم يحدث تخبط سياسي وغياب رؤية واستراتيجية لدي القيادات الفلسطينية كما يحدث الآن. فثنائية السلطة بين الرئيس المنتخب محمود عباس علي أساس برنامج سياسي محدد يقوم علي السياسة والتفاوض, وبين رئيس وزرائه إسماعيل هنية الذي أفرزته انتخابات يناير الماضي بعد فوز حركة حماس ببرنامج مختلف.. هذه الثنائية هي التي أوجدت هذا الوضع فهناك تجاذبات وتوجهات مختلفة بينهما.. صراعات أفرزت وضعا أصعب ببروز مركز قوي ثالث للقرار الفلسطيني في الخارج, يمثله المكتب السياسي لحركة حماس ورئيسها خالد مشعل الذي تدخل من الخارج لإلغاء قرارات واتفاقيات جري التوصل إليها بين رئيس السلطة ورئيس الحكومة في الداخل. وهكذا فإن تعدد الرؤوس أثر في القضية الفلسطينية وأعطي لإسرائيل فرصا لإحكام قبضتها القاسية علي الشعب الفلسطيني. وكان هذا الوضع السياسي الشائك وراء عدم التوصل إلي اتفاق حول وثيقة الأسري أو الإجماع الوطني. كما أن مركز القوي الخارجي كان وراء نقض اتفاق محددات البرنامج الوطني الذي وقعته الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس في11 سبتمبر الماضي. وعطل أكبر عملية إفراج عن الأسري الفلسطينيين ومبادلاتهم بالأسير الجندي الإسرائيلي, وما نتج عنها حتي الآن من خسائر فلسطينية كبيرة. فلقد وصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ أسر هذا الجندي في25 يونيو الماضي إلي أكثر من350 شهيدا ومئات الجرحي والمصابين والأسر المشردة. وأستأسد الاحتلال الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني مع الغياب الكامل للضغط الخارجي, الذي أصبح يحمل الفلسطينيين أنفسهم ـ وهم الضحايا ـ الكثير من المسئولية عن هذا الوضع الصعب. ووقعت الأراضي المحتلة تحت حصار دولي ظالم عقب توقف جميع الدول المانحة عن تقديم المعونات الاقتصادية للفلسطينيين في ظل حكومة حماس, وما نتج عن ذلك من تدهور الوضع الاقتصادي الداخلي والفشل الأمني الكبير, الذي جعل قتل الفلسطيني بيد الفلسطيني عملية متكررة يوميا. بل إن الساحة الفلسطينية أصبحت مسرحا مفتوحا لظهور أكثر الجماعات المتطرفة مثل القاعدة, وهذا الوضع لم يكن معروفا فلسطينيا في ظل الأوضاع السابقة. وقد تراجعت القضية الفلسطينية سياسيا وتحللت إسرائيل من ارتباطاتها, وأعطي الوضع الراهن لإسرائيل الفرص المتكررة لتصعيد عدوانها علي الفلسطينيين دون رادع دولي, وزاد من وطأة معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.. وبهذا الأسلوب يواجه الشعب الفلسطيني اختبارا قاسيا وحادا تحت الاحتلال البشع وما يمثله من عدوان يومي يقترب من عامه الأربعين, وقد وصل إلي الذروة في نظامه القمعي والعنصري, وفي ظل نظام فلسطيني متضارب ومتعدد الرؤوس بين الداخل والخارج, وبلغ حد الصراع والتقاتل علي سلطة منقوصة محكومة بالاحتلال. وفي هذا الوضع تجاوزت المواقف التعقيدية سبيلها, واختلطت معايير الحقائق, وأصبح الدخول في سباق من أجل كشفها والوصول إلي القناعة النهائية عملية صعبة بل ومستحيلة, بعد أن تعقدت المشكلة وتبدلت الأوضاع وتعالي الدخان واختلطت الصورة بين صاحب الحق وصاحب القوة. …………………………………………………………….. | |
وأمام هذا الوضع ينبغي علينا أن نحذر ـ ونحن الحريصون علي القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني ـ من هذا الوضع الذي سيشعل حتما الحرب الأهلية التي شهدنا بروفة مصغرة لها في الأشهر الماضية. ونطالب كل الفصائل بالعودة إلي إعادة ترتيب موازين القوة والخريطة الفلسطينية بما يسمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتخلص من حالة الاستقطاب الراهنة بين فتح وحماس والداخل والخارج, وتستطيع أن توفر الأجواء الأمنية التي تحمي الفلسطينيين من الانجراف نحو هاوية الحرب الأهلية المشئومة, وضياع مستقبل الشعب والدولة, كما يجب إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية سياسية. بعد أن تحولت في الأشهر التسعة الأخيرة إلي مجرد قضية إعاشة للشعب الفلسطيني. ونتذكر أننا في السنوات الأخيرة حصلنا للشعب الفلسطيني علي اعتراف دولي من جميع دول العالم ومن أمريكا بل ومن إسرائيل والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي, بالدولة وبالشعب الفلسطيني, وبقي أن يفرض علي الجميع احترام تلك الاتفاقيات والاعتراف المعلن بهذه الحقوق المشروعة بعد أن ظلت القضية الفلسطينية منذ الحرب العالمية الثانية وحتي اتفاقيات أوسلو قضية لاجئين فقط ولا نريد أن نخسرها الآن تحت وطأة وأخطاء سياسة حكومة حماس والأوضاع الراهنة للشعب الفلسطيني, لتصبح قضية إنقاذ شعب من المجاعة أو الحرب الأهلية, مع أنها كانت أقرب للحل بالاعتراف الدولي بالوضع الداخلي وبناء دولة فلسطين ومؤسساتها وبنيتها الأساسية, ولقد كان حال الفلسطينيين أفضل من الوضع الصومالي والأفغاني والعراقي. ومن هنا يجب أن يتكاتف الجميع إقليميا ودوليا وأن تتحرك الرباعية الدولية وتمارس الضغط السياسي علي إسرائيل للتحرك نحو الحل السياسي والانسحاب من الأراضي المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية. فهذا الحل يحقق مصالحها مثلما يحقق مصالح الفلسطينيين واستقرار المنطقة والعالم الذي لم يعد يتحمل مزيدا من الفوضي والتشرذم والأوضاع المقلقة التي تشكل تربة خصبة للإرهاب والتطرف تضرب استقرار المنطقة والعالم. وليتذكر الجميع أن القضية الفلسطينية هي بؤرة الصراع العالمي في حرب الإرهاب الراهنة وأن حلها ومساعدة شعبها سيساعد العالم علي الخروج من مأزق حروب دينية وثقافية طويلة تضر بمصالحها. فقد أثبت التاريخ الحديث أن مشكلات العالم والمنطقة ظهرت وخرجت من رحم فلسطين المحتلة. وزادتها أحداث سبتمبر2001 وتفجيرات نيويورك وواشنطن ومدريد ولندن وغيرها أبعادا ربطتها بسياق حرب الإرهاب واستقرار العالم. وسوف يتحمل من يدفع في اتجاهات عدم حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية مسئولية كبري أمام السلام والاستقرار العالمي. ويجب أن يسارع كل طرف إلي الوفاء بالتزاماته وتقدير الحلول الممكنة لتجنب الصراع واحتدامه سواء داخليا أو إقليميا أو عالميا أو ما بين إسرائيل والفلسطينيين. ……………………………………………………………..
……………………………………………………………..
| |