مقالات الأهرام اليومى

الخيار الأخير للفلسطينيين

اللحظة الراهنة فلسطينيا هي لحظة المخاض أو لحظة الحسم‏..‏ لحظة تتمحور حول التقاء الشرعيتين الحاكمتين في رؤية مشتركة‏,‏ واتفاق موحد علي أسلوب إدارة الصراع مع إسرائيل من جميع جوانبه‏,‏ وتفاوض من شأنه وضع حد للموقف الراهن المتناقض بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن‏,‏ وما يمثله من وزن وثقل كرئيس للسلطة الفلسطينية‏,‏ وحكومة منتخبة من جانب الشعب‏.‏

لقد انتخب أبو مازن رئيسا للسلطة بعد معركة شفافة‏,‏ ووفقا لمنهج إدارة عملية سلمية تعترف بدولتين فلسطينية وإسرائيلية‏,‏ والهدنة الشاملة بين الفصائل وإسرائيل‏,‏ للتمهيد لمناخ مناسب للاتفاق بين الطرفين علي أسس ومرجعيات سياسية أصبحت واضحة ومحددة‏,‏ ومتراكمة عبر التفاوض‏,‏ والقرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة والعربية في المبادرات المعلنة‏.‏

وبعدها ظهرت حكومة فلسطينية برؤية مختلفة من خلال انتخابات تشريعية حرة وشفافة أفرزتها انعكاسات سياسية لمسار التفاوض‏,‏ وسوء أحوال الشعب الفلسطيني وبؤسهم الاقتصادي والمعيشي‏,‏ وانعدام وجود رؤية سياسية للمستقبل‏.‏

ولقد وضعت تلك الأوضاع الشائكة القضية الفلسطينية برمتها في موقف صعب ودقيق‏,‏ وكعادة مصر تحركت علي كل صعيد‏,‏ ونسقت برعايتها حوارا فلسطينيا بين حركتي فتح وحماس‏,‏ وباقي الفصائل‏,‏ ثم نسقت حوارا عربيا لوضع كل فصيل أمام مسئولياته للاقتناع‏,‏ والاتفاق علي المسارات السياسية القادرة علي وضع إسرائيل والمجتمع الدولي أمام استحقاقات تتطلبها تلك المعادلة والعملية السياسية طويلة النفس‏

التي تحتاج إلي رؤية وتنسيق ليس فلسطينيا فحسب‏,‏ بل وعربيا أيضا من اجل حشد المجتمع الدولي لممارسة الضغط علي المحتل وبذلك يحصل الفلسطينيون علي حقوقهم‏.‏

إن هذا الوضوح وهذه الرؤية المتماسكة للمستقبل تؤكد لمصر مكانتها وثقلها لدي أطراف الصراع الذي يمثل عملية سياسية ذات طبيعة خاصة ولا يمكن مقارنته بأي صراع تقليدي آخر‏.‏ وقد منحت خبرة الرئيس حسني مبارك مصر مفتاحا لكيفية تحريك المسارات ومواجهة الصعوبات والتحديات التي مهما اشتدت وأظهرت صعوباتها انسدادا في المسارات‏,‏ وأغلقت باب الأمل‏

فإن مصر عندها تكون دوما هي صاحبة المفتاح السحري الذي يعيد الأطراف إلي جادة الصواب وإلي الحقيقة الوحيدة الباقية أمامهم‏,‏ وهي التفاوض للاتفاق‏,‏ وأنه لن تنجح سياسات إسرائيل الأحادية أو ما أصبحت تسميه أخيرا خطة الانطواء‏,‏ ولن تنجح أيضا سياسات المجتمع الدولي بفرض الحصار والعزلة علي الشعب الفلسطيني‏.‏

وبالرغم من غموض الصورة الفلسطينية الآن فإنه لا يخفي علي أحد وجود حقائق موضوعية واضحة أمام الطرفين المختلفين والمتصارعين علي السلطة وهي إما الاتفاق ـ وهذا هو الحل الأفضل لمستقبل القضية الفلسطينية ولقدرة الفلسطينيين علي التفاوض مع المحتل وهناك مبادرة عربية في هذا الشأن تستحق الأخذ بها‏..‏

كما أن وثيقة الأسري تعد أيضا مبادرة عملية لمختلف الأطراف‏,‏ وهي مدخل لحكومة متسقة ومتفقة فيما بينها ليس في إستراتيجية التفاوض فقط بل أيضا في آلياته وخططه‏,‏ وهكذا يحمي الفلسطينيون حقوقهم ويزيدون قوتهم الداخلية ويعززون حقوقهم أمام المجتمع الدولي‏ وإذا لم يتحقق هذا الاتفاق ولم يتمكن كلا الطرفين من التوصل إلي حل موحد فعلي كل منهما القبول بالاقتراح الداعي إلي الاستفتاء الشعبي‏,‏ وهو أفضل بلا شك من تصعيد الأمور إلي اقتتال أهلي بغيض‏.‏

وعلي أي حال فإن حكم الشعب يظل هو الخيار الأخير أو الرصاصة الأخيرة الباقية في جيب الرئيس الفلسطيني والتي قد يستخدمها يائسا من التوصل إلي اتفاق ـ وهو خيار عقلاني ـ وعندها سيكون علي حماس احترامه ما دامت غير قادرة علي التكيف والتواؤم مع عملية سياسية معقدة وطويلة وقد يكون هذا الخيار هو البديل الوحيد المتاح لمنع تحول الشعب الفلسطيني إلي الصراع بين أفراده في الشوارع بلا هدف أو رؤية مستقبلية‏.‏

إن الفلسطينيين أمامهم الآن فرصة كبري لإعادة تأكيد قوتهم الداخلية وحيويتهم واتفاقهم للخروج من المأزق الراهن أقوياء‏,‏ ليس فقط أمام العالم بل وأمام أنفسهم ولمصلحتهم ومصلحة قضيتهم العادلة‏,‏ فليقف الجميع لحظة صدق عادلة لأنزه واعدل قضية في التاريخ الإنساني‏,‏ وليتوقفوا عن الصراع علي السلطة قبل قيام الدولة والحصول علي حقوقهم كاملة‏,‏ وليقدموا الاتفاق والحكومة الائتلافية‏,‏ والوفاق الوطني علي الشقاق والنزاع‏,‏ فأمامهم الآن فرص قد لا تتاح لهم في المستقبل‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى