دفاعا عن البرلمان

نحن نجني تحت قبة البرلمان نتائج أخطاء تراكمت, وسلوكيات يبدو أنها استقرت, وتصورات تمكنت من بعض العقول. فما حدث تحت القبة لم يكن مقدمة لشيء, وإنما هو نتيجة لأحداث خاطئة كان كل نصيبها شيئا من الاستياء وكفي. ولقد كان من الضروري أن تحظي الأخطاء السابقة في الانتخابات والحوارات والإعلام بقدر أكبر من الاهتمام الهادف إلي التصحيح, خاصة أننا في سبيلنا إلي تعميق فهم الديمقراطية وسلوكياتها. فالمسافة الفاصلة بين جميع الأنشطة السياسية قصيرة. وما نجده في مكان ما سوف نجده في أماكن أخري.
وهكذا شهد البرلمان بالأمس شيئا مما شهدته حوارات الانتخابات, حيث الاتهامات بلا دليل, والأقوال بلا تمحيص, ومع ذلك يتم ترديدها محليا وعالميا, بل وبلغ الأمر إلي درجة أننا لم نعد نسأل عن دليل أو بيانات تدعم أو تنفي ما نقول. والنتيجة هي أن الحقائق في مناقشاتنا غابت لتفسح المجال واسعا للآراء والتحليلات التي تعبر عن المصالح والأهواء.
إن ماحدث في البرلمان يحدث كل يوم في صحف كثيرة وفضائيات أكثر, حتي أننا اليوم نعايش حالة انفلات من كل قيد وعرف وتقليد كان يجب أن يحكم حياتنا السياسية هذه الأيام.فقد تساهلنا عشرات المرات مع الأخطاء التي تزحف شيئا فشيئا نحو مؤسسات وميادين ينبغي فيها عدم التسامح مع الأخطاء, أو أن تتردد في رحابها الأقوال والأفعال المرسلة التي نتداولها في مجالسنا الخاصة. فليس البرلمان مكانا ترسل فيه الأقوال وتتردد تحت قبته الشائعات. وليس البرلمان مجالا لاستعراض القوة وتصفية الحسابات, واستثارة العواطف المشحونة أو المأزومة.
فهو يضطلع بمصير الأمة ولايمكن التعامل مع مصائر الأمم بمنطق الدعاية السياسية وفقدان الدليل والتمحيص الدقيق لما يقال أو يطرح.
إنني لست في مجال الدفاع عن النائب أحمد عز, فلقد طرح الرجل ما يثبت حقيقة موقفه, ويشرح أبعاد ما قام به. والقضية الآن هي السلوك البرلماني الذي نرجوه لهذه المؤسسة السياسية بالغة الأهمية والحيوية, وانعكاسات هذا السلوك علي جميع الممارسات السياسية.
وسواء اتجه المجلس إلي التحقيق وإقرار العقوبات المنصوص عليها في القانون أو اتجه إلي المصالحة, فإن ما يبقي في الضمير العام من هذه الواقعة أمر مؤسف ومثير لليأس. ويجب علي المجلس الموقر في مساعيه لاحتواء تداعيات تلك الواقعة ألا ينسي أن للمواطن المصري في هذه الواقعة حقا ينبغي عدم التضحية به.
فهو الذي جاء بالأعضاء جميعا تحت قبة البرلمان, وهو الذي حملهم أمانة العمل من أجل صالحه وخدمة وطنه, ولديه آمال كبيرة في أن يعمق البرلمان مفاهيم الديمقراطية وسلوكياتها اللازمة. فالذي حدث تحت القبة نتيجة طبيعية لأخطاء كثيرة ارتكبت من قبل, ولم يتعرض أصحابها حتي لتنبيه أو لوم أو عتاب.بعضها في الطريق إلي البرلمان وبعضها داخل أروقة المجلس نفسه.
وأخشي أن تتطور أسلحة الحوار تحت القبة إلي ما لايمكن تداركه أو احتماله فيضع البرلمان نهايته لنفسه بنفسه. والحقيقة التي لابد من تأكيدها هي أن الاتهامات المرسلة تظل آثارها قائمة حتي بعد أن تتضح الحقائق.فلقد تعرض الكثيرون من أعضاء البرلمان لاتهامات شتي حتي كادت صورتهم لدي الرأي العام تفقد بعض بريقها, ويخسرون بالتالي بعض مكانتهم وتأثيرهم. إن البرلمان أقوي وأهم من أعضائه, ونحن نريد له أن يبقي مؤسسة تتعلق بها آمالنا وطموحاتنا الديمقراطية.
osaraya@ahram.org.eg