مقالات الأهرام اليومى

الصخب السياسي‏..‏ وعقلية الأرانب البرية‏!‏

الصخب السياسي‏..‏ وعقلية الأرانب البرية‏!‏ الثوابت في فكر الرئيس مبارك وفرت الحماية لمصر من المغامرات غير المحسوبة الخطيئة التي ترتكبها التجمعات السياسية الصغيرة أنها تختزل في أي أزمة طارئة واقعنا السياسي وكل الإنجازات التي تحققت.

توارت خلف بعض أزماتنا الفرعية الراهنة الطارئة‏,‏ قضايا رئيسية كان يجب أن تتصدر اهتماماتنا‏,‏ أو حتي أن تحظي بالجانب الأكبر من جهودنا الحالية وتفكيرنا المستقبلي‏.‏ فمجتمعنا يعاني نقصا في الموارد وزيادة مطردة في الاحتياجات والمطالب والسكان‏.‏ ومع الأهمية المطلقة لسد الفجوة بينهما‏,‏ فإن الحوار العام عبر وسائل الإعلام‏,‏ والحوار الخاص في المجالس والمنتديات والأحاديث الشخصية يبتعد كثيرا عن تلك القضية الحاكمة‏.‏ ولا تحظي الجهود المبذولة في هذا الشأن بكثير من الاهتمام‏.‏

ومما يزيد من خطورة هذا الوضع أننا اعتدنا في معالجة قضايانا العامة الاهتمام المتوالي عوضا عن الاهتمام المتوازي‏.‏ فالقضية الواحدة تفرض نفسها وتنفرد بكل الاهتمام حتي تنتهي أو تحل محلها قضية أخري أكثر أهمية أو إثارة أو سخونة‏,‏ بدلا من أن يستوعب اهتمامنا قضايا متعددة في الوقت الواحد‏.‏

وهذا النمط من التفكير والاهتمام تفرضه اليوم أقلية تمارس كثيرا من الدكتاتورية والصخب في فرض قضاياها ولغتها علي المجتمع‏,‏ من خلال وسائل الإعلام المحلية والأجنبية‏,‏ وبعض التحركات في الشوارع الرئيسية‏.‏ فالصخب الذي شهده الشارع المصري خلال الأشهر الماضية هو بكل تأكيد صادر عن تجمعات أو تنظيمات تعبر عن أقليات سياسية متناهية الصغر‏,‏ اكتسبت عن طريق وسائل الإعلام وأساليب الدعاية حجما مضاعفا لاوجود له في أرض الواقع‏.‏

وأصبحت بعض هذه التجمعات ظواهر إعلامية أكثر من كونها ظواهر ذات وجود سياسي فاعل في الشارع المصري‏.‏ ومع التسليم بحق هذه التجمعات في التعبير عن آرائها وفق القوانين والنظم السائدة‏,‏ فإن ذلك لايمنحها الحق في أن تطرح آراءها باعتبارها تعبيرا عن جموع المصريين‏,‏ أو أن تعتقد أن ظهورها في وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية يمنحها الحق في أن تصف نفسها بأنها قوة معارضة رئيسية في المجتمع‏,‏ أو أن تفرض علينا الحوار والاهتمام بما تراه من قضايا‏.‏

والخطيئة التي ترتكبها هذه التجمعات السياسية هي أنها تختزل ـ في أي أزمة طارئة ـ كل واقعنا السياسي‏,‏ وكل الإنجازات والأعمال التي تحققت‏.‏ ومع تكرار تلك الأزمات الصغيرة تبدو الصورة العامة للواقع الاقتصادي والسياسي محبطة للغاية‏.‏ فلقد دأبت تلك التجمعات علي تضخيم السلبيات الصغيرة‏,‏ وهي تحاول رسم ملامح الصورة العامة للواقع المصري‏.‏ فليس من الإنصاف أن يحاكم واقعنا بمثول شخصية سياسية معارضة أمام القضاء للمحاكمة‏,‏ أو أن نلهب ظهر المجتمع بخلاف طارئ داخل السلطة القضائية‏

وهو خلاف كان ولابد أن يجد طريقه إلي الحل والتسوية‏,‏ أو أن يتم استغلال كارثة طبيعية أو فيروس قادم من وراء الحدود‏.‏إذ يجب أن نعترف بأن لدينا ما لدي غيرنا من مشكلات وأزمات‏,‏ وتفاعلات تعبر عن رؤي مختلفة ومصالح متشابكة‏.‏ وأن وجود هذه المشكلات لاينال من جهودنا أو ثقتنا بقدرتنا علي مواجهتها‏.‏ ومثل هذا الكلام لايروق كثيرا لتلك التجمعات السياسية أو الفئوية التي تريد أن تنفرد بالمجتمع‏,‏ وتفرض عليه رؤاها لتنفذ منه إلي مصالحها‏.‏

إننا اليوم نعايش واقعا مغايرا تماما لما انتهت إليه الحقبة الناصرية‏,‏ سياسيا واقتصاديا‏,‏ محليا ودوليا‏,‏ ونعايش واقعا يختلف كثيرا عما انتهت إليه سنوات حكم الرئيس الراحل أنور السادات‏.‏ فلقد قطعنا خطوات كثيرة وطويلة إلي الأمام ومازالت لدينا مشكلات‏,‏ ولكننا نملك إرادة المواجهة ورؤي الحل‏.‏ صحيح أننا لم نصل بعد إلي كل مانطمح إليه‏,‏ وهذا أمر طبيعي‏,‏ لأن الآمال تسبق الواقع علي الدوام‏.‏ ولكن لا أدري لماذا يريد البعض نشر المغالطات في حياتنا‏,‏ ويحاولون فرضها علي تفكيرنا؟‏.‏

ثم أي مقارنة تلك التي تجوز بين ما كنا فيه سياسيا واقتصاديا وما صار إليه حالنا الآن؟ وأي مقارنة يمكن أن تعقد بين مستويات معيشة أي أسرة مصرية ـ تكون ـ في ماضيها القريب والبعيد‏,‏ وواقعها الآن؟

إن الجميع يدرك كيف كنا وكيف أصبحنا‏.‏ ومثل هذه المقارنات لاتعني المفاضلة بين حكم وآخر أو بين فترة زمنية وأخري‏.‏ فلكل فترة ظروفها الداخلية والخارجية‏.‏ ولكنها تعني تحديد موقعنا مما كنا عليه في الماضي بما يساعدنا علي تحديد طريق المستقبل‏.‏ فلقد تجاوزنا اليوم ما كنا نحلم به بالأمس‏,‏ ولكن البعض منا يستغل الحنين إلي الماضي ـ وهو شعور مستبد بالشخصية المصرية ـ للنيل من الحاضر‏,‏ لأهداف تعنيه هو أكثر مما تعني جموع المصريين‏.‏

فالدولة المصرية لم تكن يوما في تاريخها القديم والحديث أكثر تسامحا مع معارضيها وأكثر إيمانا بحرية التعبير مما هي عليه الآن‏.‏ ولم تكن حرية الاختيار السياسي متاحة من قبل مثلما هي متاحة اليوم‏.‏ ولم تكن الدولة أكثر انفتاحا علي العالم الخارجي من أجل مصالح شعبها مثلما هي اليوم‏.‏ ولم تعمل يوما من أجل حلول حقيقية واقعية مستدامة مثلما تفعل الآن‏.‏

تجمع دافوس

بالأمس استضافت مصر أكبر تجمع اقتصادي عالمي ترتبط به حركة الاقتصاد العالمي‏.‏ وقد غاب المعني والمغزي من وراء هذا التجمع علي أرض مصر عن كثيرين عمدا أو سهوا‏.‏ فالأصوات التي تواصلت دعاوي الإحباط في كلماتها غابت عن الحدث وتجاهلته‏.‏ وكان يجب عليها أن تشارك وأن تسمع وأن تحاور من أجل مصر‏.‏ وكان عليها أيضا أن تشرح لنا لماذا جاء كبار رجال المال والأعمال والسياسيين في العالم بهذا المنتدي إلي مصر؟ هل جاءوا إلي دولة تداعي اقتصادها إلي حد الانهيار ؟ وهل جاءوا إلي دولة فقد نظامها السياسي قدراته وحيويته؟ وهل جاءوا إلي دولة فقدت قدراتها علي التأثير الإقليمي والعالمي؟

إن الحقائق في عالم المال والاقتصاد والأعمال أكثر تأثيرا من الأقوال المرسلة‏.‏ وقد كان انعقاد المنتدي العالمي في مصر اعترافا بحقائق سياسية واقتصادية مغايرة تماما لما يروج له البعض منا حول واقعنا السياسي والاقتصادي‏.‏ ومن المؤسف أن يرانا العالم بعين الرضا ونري أنفسنا بعين السخط‏.‏

إن أحدا من هؤلاء لم يتوقف أمام المعني من وراء استضافة أكبر تجمع اقتصادي عالمي علي أرض سيناء‏,‏ وآثار الإرهاب لم تزل ماثلة علي ترابها‏.‏ لقد كانت مصر ترد الاعتبار بهذا التجمع لأرض سيناء التي استباحها الإرهاب‏.‏ وقد وقف الرئيس حسني مبارك أمام العالم يتحدث عن سيناء أرض الفيروز والأنبياء والحرب والسلام‏,‏ وعن رحلة العائلة المقدسة بين وديانها‏,‏ وصوت الله يغشي قمة جبل وقف عليه نبي الله موسي‏.‏ وللأسف لم يحظ هذا الحدث ـ بكل أبعاده وما يحمله من خير لمصر ـ من بعض زملاء الداخل إلا بالنقد حينا‏,‏ والسخرية الممجوجة حينا آخر‏.‏ وربما يكون هؤلاء قد وجدوا في هذا التجمع العالمي‏,‏ صورة من العولمة بتداعياتها السلبية حول حقوق الفقراء في هذا العالم الجديد فتجنبوه‏.‏ وليتهم استمعوا إلي الرئيس مبارك وهو يعلن أمام هذا التجمع العالمي ـ بكلمات لاتحتمل اللبس أو التأويل ـ رؤيته للإصلاح الذي لايمكن أن يتم بعيدا عن مصالح المواطنين البسطاء‏.‏

لقد وقف الرئيس أمام القوي الاقتصادية الكبري في عالم اليوم معلنا أن سياسات وبرامج الإصلاح لابد أن تأخذ بيد الأسر الفقيرة والمرأة المعيلة‏,‏ تساند المرضي والضعفاء‏,‏ ولاتتخلي عمن لاعائل له‏,‏ ولاتترك أحدا في منتصف الطريق‏.‏ وليت هؤلاء الباكين علي حقوق الفقراء يشرحون لنا مغزي كلمات الرئيس أمام هذا التجمع الاقتصادي العالمي‏,‏ المتهم علي الدوام بمعاداة الفقراء‏.‏ ولماذا لايفهمون حقيقة موقع الضعفاء والفقراء في فكر وسياسات الرئيس مبارك؟

إن هناك ثوابت كثيرة في فكر الرئيس لم تتغير ولم تتبدل سواء تحدث إلي العامة أو إلي الخاصة من المصريين‏..‏ وسواء تحدث أمام تجمعات دولية أو في قاعات المفاوضات المغلقة مع الزعماء والقيادات‏.‏ ومن أبرز ثوابت فكره اهتمامه بألا يدفع الفقراء تكلفة سياسات الإصلاح الاقتصادي وألا تنال هذه السياسات مما اكتسبوه من حقوق‏.‏ كما أنه لم يتخل عن إدارة برنامج الإصلاح استنادا إلي مقتضيات الداخل‏,‏ وليس استجابة لمطالب الخارج‏.‏

ففي منتدي شرم الشيخ أكد الرئيس رؤيته للإصلاح التي تنتقل بنا إلي واقع جديد ومختلف‏,‏ وهي رؤية سوف نصل إليها بمتابعة الإصلاح النابع من داخل المنطقة ومن فوق أرضها‏.‏ إصلاح يتبني نهجا حكيما متدرجا يضمن استمراره‏,‏ ويأخذ حذره من طفرات متسرعة‏,‏ تتعجل نتائجه فتؤدي به إلي الفوضي وانتكاس مسيرته‏.‏

وهذان الموقفان الثابتان في رؤية الرئيس وفكره أطلقا الكثير من السحب في سماء علاقات مصر بالقوي الكبري في عالم اليوم‏.‏ ولايخفي علي أحد أن تلك القوي مارست ـ ومازالت تمارس ـ الكثير من الضغوط علي مصر من أجل قفزات متسارعة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي‏.‏ وهي قفزات يمكن أن تنتهي بنا إلي الهاوية‏.‏ والغريب أن البعض في الداخل يردد دعاوي تلك القوي الخارجية‏,‏ بل ويعمل من أجلها عن عمد وهو يعلم نتائجها‏,‏ أو عن تعجل وهو لايعلم ما يترتب عليها‏.‏ والسياسة التي تدعونا إليها القوي الخارجية وبعض أصوات الداخل أشبه ما تكون بعقلية الأرانب البرية التي تقفز أولا ثم تنظر إلي اين تهبط بعد القفز‏!‏ والنتيجة مئات من جثث الأرانب البرية التي هوت من قمم الجبال إلي السفوح‏.‏ وقد أصبحت عقلية هذه الأرانب عنوانا للسياسات التي لاتتلمس موقع خطاها قبل أن تتحرك‏!.‏

إننا حين نفكر في الإصلاح الاقتصادي لابد أن نعرف جيدا إلي أين تأخذنا تلك السياسات‏,‏ وحين نشرع في الإصلاح السياسي لابد أن نعرف إلي أي واقع سوف ينتهي بنا الإصلاح السياسي‏.‏ فلقد أضاعت عقلية الأرانب البرية دولا‏,‏ وهوت بكثير من الإمبراطوريات‏.‏ وللأسف هناك من يدعونا اليوم إلي اتباع خطي تلك العقلية المميتة القاتلة‏!.‏

والواقع أن ضغوط الخارج وصيحات الداخل كانت كفيلة بأن ترجح سلوكيات الأرانب البرية في الإصلاح الاقتصادي والسياسي‏,‏ لولا حكمة الرئيس مبارك‏,‏ وصبره علي من في الداخل والخارج‏.‏ وهو صبر جاء من رؤية واضحة لمواضع خطواتنا‏,‏ ومعرفة عميقة بواقع مجتمعنا‏,‏ وقدراته علي استيعاب خطوات الإصلاح والتفاعل معها والاستفادة بها‏.‏

إن شيئا من الثقة في الحاضر‏,‏ وقليلا من الأمل في المستقبل‏,‏ هما كل ما نحتاجه اليوم حتي تصبح طاقاتنا النفسية قوة داعمة لجهودنا ومساعينا التنموية‏.‏ فلن نجني من السخط الذي يريد البعض غرسه في نفوسنا سوي الإحباط واليأس‏,‏ وهما كفيلان بتقويض كل جهد‏,‏ وإخماد أي أمل في النجاح‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى