مقالات الأهرام اليومى

مبارك في احتفالية ابن خلدون رسالة إلي دعاة الصدام بين الحضارات

لم تكد تمر أيام علي جولة الرئيس حسني مبارك في إيطاليا وألمانيا والمغرب‏,‏ حتي عاد عابرا البحر المتوسط إلي إسبانيا‏.‏ حيث يواصل منهجية عمل وطني دءوب‏,‏ تربط بين زيارات مواقع الإنتاج في الداخل‏,‏ ومراكز التأثير السياسي والثقل الاقتصادي في الخارج‏,‏ من أجل تفعيل قدراتنا الاقتصادية والسياسية‏,‏ فبالأمس أطل الرئيس بوجه مصر القديمة في معرض الآثار الغارقة في برلين‏,‏ واليوم يطل في إسبانيا بوجه الحضارة العربية الإسلامية بأشبيلية‏..‏ تلك المدينة التي كانت أحد مراكز الحضارة الزاهرة التي أشرقت شمسها علي الغرب دينا وفكرا وعلما وفلسفة وحضارة‏.‏

وتأتي زيارة الرئيس إلي إسبانيا تجسيدا لحضور عربي إسلامي له مغزاه في مسيرة العلاقات بين حضارات الشرق والغرب‏.‏ حيث يشارك في الاحتفال بذكري مرور‏600‏ عام علي وفاة عبدالرحمن بن خلدون‏,‏ الذي اتسم بعبقريته الفذة وعطائه الفريد في العمران والفقه والسياسة والاقتصاد‏.‏ وقد أطل الرئيس علي الاحتفال كرمز للعطاء الحضاري القادم من مركز الشرق الأوسط‏,‏ وكانت استجابته لدعوة ملك إسبانيا لحضور هذا الاحتفال دعما للمبادرة الإسبانية حول تحالف الحضارات كبديل لدعاوي الصراع والصدام بينها‏.‏ فإسبانيا تمثل موقعا فريدا في علاقة الحضارة العربية ـ الإسلامية بالحضارة الغربية‏.‏ وعلي أرضها‏,‏ وعبر ثمانية قرون‏,‏ عرفت الحضارة الإنسانية تجربة غير مسبوقة في تعايش الأديان‏,‏ وتمازج الثقافات‏,‏ وتنوع العطاء الإنساني وبزوغ فجر النهضة الأوروبية الحديثة‏.‏

ولا شك في أن احتفال الإسبان بعالم عربي تمتد جذوره إلي اليمن حيث ولد بأشبيلية‏,‏ وعاش حياته متنقلا بين الأندلس والمغرب وتونس ودمشق‏,‏ حتي وافته المنية في القاهرة‏,‏ بعد أن قضي بها ثلاثة وعشرين عاما من عمره‏.‏ هذا الاحتفال يؤكد تقدير واحترام الحضارة الغربية للتراث الإسلامي‏,‏ كما يعد اعترافا بما قدمه في مسيرة الحضارة الإنسانية‏.‏

وحين يلبي الرئيس دعوة ملك إسبانيا‏,‏ فإنه يكرس مغزي الاحتفال في أهمية أن ندرك أننا جميعا شركاء في صناعة الحضارة الإنسانية‏,‏ التي لاتدين لجنس دون آخر‏,‏ وإنما هي نتاج التحالف والتكامل بين الحضارات عبر السنين‏,‏ وأن مقولات الصراع بين الحضارات ما هي إلا واجهة زائفة لفرض سياسات الهيمنة‏,‏ وطمس هوية الشعوب والثقافات‏.‏

لقد كان وجود الرئيس مبارك تعبيرا عن حضارة عريقة أدت دورها باقتدار وكفاءة‏,‏ ومازالت قادرة علي العمل مع الآخرين‏,‏ ومواصلة دورها في نشر الأمن والسلام‏,‏ وإثراء الخبرات الإنسانية في كل ميدان يأتي بالرخاء للبشرية‏.‏

وعلي هامش الحدث الأهم في زيارة إسبانيا‏,‏ أجري الرئيس مبارك محادثات لها أهميتها في مسيرتنا الاقتصادية‏,‏ ومساعينا السياسية‏.‏ فإسبانيا اليوم واحدة من أهم القوي الأوروبية سياسيا واقتصاديا وثقافيا‏,‏ ودعم علاقتنا بها ضرورة ملحة‏.‏ وقد استطاع الرئيس مبارك إعادة بناء العلاقات المصرية ـ الإسبانية وفق رؤية تهدف إلي تفعيل الدور الأوروبي الاقتصادي والسياسي‏.‏ فالاقتصاد الإسباني يحقق نموا ملحوظا‏,‏ وقدراته المستقبلية علي النمو هائلة‏.‏ كما أن لدي إسبانيا الكثير من الخبرات التي يمكن أن تفيد في دعم برامجنا التنموية‏.‏ وكذلك فإن مصر وإسبانيا تعتمدان علي السياحة كمورد أساسي من مواردهما الوطنية‏,‏ وتمثل إسبانيا مصدرا مهما للسياحة في مصر‏.‏

ومن هنا فإن محادثات الرئيس في إسبانيا تتكامل سياسيا واقتصاديا مع محادثاته في إيطاليا وألمانيا‏.‏ فالقوة الاقتصادية والسياسية الأوروبية لها أهميتها في عالم اليوم‏,‏ ولديها الكثير الذي يمكن أن تؤازرنا به في مساعينا الاقتصادية الداخلية والسياسية الإقليمية‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى