الرئيس مبارك في حديث شامل من القلب مع رؤساء التحرير: الدولة لاتستهدف أي شخص ومسئوليتي حماية الوطن من أي خطر

الرئيس في حديث شامل من القلب مع رؤساء التحرير: الدولة لاتستهدف أي شخص ومسئوليتي حماية الوطن من أي خطر برنامج الإصلاح السياسي يسير بطريقة مناسبة وعلي الأحزاب أن تطور من عملها.
كتب ـ أسامة سرايا: | ||
دائما.. يستطيع الرئيس حسني مبارك أن يفاجئنا. كانت تسع ساعات تقريبا مرت منذ وطئت أقدامنا مطار القاهرة لتأخذنا طائرة الرئيس في جولته إلي إيطاليا, وألمانيا, والمغرب. كان الرئيس قد أمضي وقتا غير قصير في مباحثاته مع رئيس وزراء إيطاليا الحالي سيلفيو برلسكوني ومع رئيس وزراء إيطاليا المقبل رومانو برودي, ومعه تسع من قيادات أحزاب يسار الوسط الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وركبنا الطائرة متوجهين إلي برلين, المحطة الثانية, ولم يخطر في بالنا أن الرئيس قد يتحدث إلينا في حوار شامل. كنا مابين نائم ومتيقظ, عقب إقلاع الطائرة من مطار شبينو العسكري في روما, حين دخل علينا الرئيس بحيويته المعهودة مبتسما. | ||
انتهت الأسئلة وظهر علينا بعض التعب.. لم تفارقه ابتسامته وكان مستعدا لأسئلة أخري.. ولم تكن لدينا بعد أن أفرغنا ما في جعبتنا, خرجنا من السياسة إلي السينما, ومن الجولات الخارجية إلي الصحافة! استهل الرئيس حديثه بعبارة تفسر الأسباب وتلخصها هي: أواصل عملي لحماية المصالح المصرية والدفاع عن منطقة الشرق الأوسط. وبعد هذه العبارة الشاملة مفتاح السياسة المصرية, بدأ الرئيس في التطرق إلي القضايا الساخنة التي تسبب قلقا شديدا وتوترا فائقا في الشرق الأوسط, أكثر مناطق العالم التهابا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. | ||
قال الرئيس: ركزت في مباحثاتي الأوروبية علي متابعة القضية الفلسطينية, وشرحت للقادة الأوروبيين بعمق أن إهمال الفلسطينيين وتركهم بلا أمل في المستقبل يولد التطرف في المنطقة كلها, وكان من الطبيعي أن أتباحث معهم عن تقديم المساعدات الانسانية للشعب الفلسطيني. وسوف أرسل مبعوثا خاصا قريبا إلي الولايات المتحدة, وكذلك إلي رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت بهذا الشأن. وحاول الرئيس التخفيف من مخاوف انتابت الأطراف المعنية بعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عقب نجاح حماس في الانتخابات الأخيرة, وقال: مصر قادرة علي التأثير في الوضع الفلسطيني في حالة تجاوب المجتمع الدولي مع ما تقدمه مصر من اقتراحات تستهدف تهيئة المناخ المناسب لاستئناف عملية السلام. وكان من الطبيعي أن يأتي الملف الإيراني النووي في حديث الرئيس عقب القضية الفلسطينية, فالملف ساخن والعالم كله يترقب مايحدث من تطورات متعاقبة مثيرة للقلق, وقال الرئيس: إنه يستشعر مخاطر هذه الأزمة علي المنطقة ككل, لأن منطقة الشرق الأوسط حساسة جدا, وفي حالة نشوب حرب ضد إيران سوف يحدث تعاطف إقليمي كبير معها, ولابد أن يفهم كل الأطراف من أوروبيين وأمريكيين, أن الحروب التقليدية أسهل وأرحم بكثير من حروب الإرهاب واسعة النطاق. وحدد مبارك مكامن الخطر في عبارة دقيقة: ضرب إيران كارثة علينا في الشرق الأوسط وعلي العالم كله. | ||
وقال: إنه أعطي الملف الفلسطيني وحقوق الفلسطينيين والملف الإيراني النووي وكيفية علاجه الأولوية والتركيز في مباحثاته الأوروبية الحالية. ثم تحدث الرئيس عن لقاءاته مع المسئولين السوريين واللبنانيين, وقال إنه من الضروري أن يتم التقريب بين الطرفين, وأن مقابلاته الأخيرة مع الزعماء اللبنانيين كانت تمضي في طريق حل المشكلات العالقة بالعمل السياسي طويل الأمد, وليس بفتح جبهات إعلامية وتبادل قذائف التصريحات, وهذه من شأنها أن تعمق الأزمة ولا تحلها. وناشد الرئيس السياسيين العراقيين والمجتمع الدولي أن يجدوا حلا مرضيا وفعالا لمعاناة الشعب العراقي المستمرة, خاصة أنه عاني حروبا كثيرة ومشكلات كثيرة في السنوات الأخيرة, وأنه من الضروري أن يراعي الجميع مصلحة هذا الشعب واستقراره ووحدته علي أرضه في دولة مستقلة يسودها الأمان والقانون والنظام. ورحب الرئيس باتفاق الأطراف السودانية علي حل أزمة دارفور بطريقة يرضي عنها السودانيون والمجتمع الدولي أيضا. وبالحديث عن دارفور أغلق الرئيس الملفات الاقليمية والدولية بعد أن استعرض أوراق قضاياها بشفافية بالغة.. وراح علي الملف الداخلي المتخم بأوراق كثيرة يقلب فيها ويفسر ما فيها ورقة ورقة.. خاصة أن الأسئلة لاحقت هذه الأوراق باستفسارات تدور في عقول المصريين وقلوبهم. وكانت نقطة البداية الطبيعية من برنامج الاصلاح السياسي الذي أعلنه الرئيس قبل فترة, وهنا أبدي الرئيس رضاه عن الطريقة التي يسير بها هذا البرنامج ووصفها بأنها مناسبة, وقال: إن الاصلاح الاقتصادي أيضا يتطور ويحدث تجاوبا كبيرا محليا وعربيا ودوليا, وهذا التجاوب واضح تماما في أمرين. الأول: زيادة الاستثمارات وتدفقها إلي السوق المصرية. الثاني: تشجيع الصادرات المصرية في الأسواق الدولية وارتفاع أرقامها, وقال: إن جزءا كبيرا من رحلاته الخارجية لضمان استمرار الاستثمارات ودفع عمليات التجارة مع مصر. وأضاف: أن مصالح مصر هي الأهم في أي اتفاقية وعلاقتنا التجارية مع أمريكا ناجحة جدا بعد اتفاقية الكويز. وحدد الرئيس نتيجة ملموسة لهذا التطور الاقتصادي حين قال: لأول مرة في تاريخ مصر يرتفع الاحتياطي النقدي بطريقة غير مسبوقة إلي23 مليار دولار. وقال: إن الدولة تضع المواطنين محدودي الدخل علي رأس أولوياتها فارتفع الدعم علي سبيل المثال في التعليم من8 مليارات جنيه إلي26 مليار جنيه, وفي الصحة من400 مليون جنيه إلي10 مليارات جنيه, وأبدي الرئيس بعض التحفظات علي ارتفاع مبلغ الدعم في المنتجات البترولية إلي40 مليار جنيه, وهو يستلزم إعادة النظر في هذا الأسلوب, مع الحفاظ علي مكتسبات المواطنين محدودي الدخل. ولم يبد الرئيس أي قلق من ديون الدولة المصرية, لأنها كما قال, في حدود الأمان, كما أن معظم ديوننا مع العالم الخارجي تتحول الآن إلي مشروعات تدر دخلا يعاد ضخه في شرايين الاقتصاد المصري, وتزيد من قدرته علي سدادها دون آثار جانبية, وأكد: عموما الاقتصاد المصري قوي, ونحن ندعم القطاع الخاص والمشرعات القومية. لكن الرئيس دق جرس إنذار بأقصي ما يمكنه من تعبيراته, فقال: أكبر مخاوفي هي معدلات الزيادة السكانية التي تلتهم حصاد التنمية أولا بأول, فهي العنصر الأكثر قلقا, خاصة علي مستقبل مصر, فقد زاد عدد سكانها في السنوات الأخيرة30 مليون نسمة, ولم تحدث زيادة بالقدر نفسه في دخولنا, كما أن إمكاناتنا الاقتصادية لا تتناسب مطلقا مع هذه الزيادة السكانية الهائلة. وعاد الحديث من عالم الاقتصاد البارد إلي عالم السياسة الصاخب, بسؤال ساخن حول القلق من الحراك السياسي الحالي في المجتمع المصري, خاصة أن ثمة مخاوف من تأثيره علي الأوضاع الاقتصادية وعمليات الإصلاح. فرد الرئيس بوضوح: يجب أن يفهم الجميع أن مصلحة الوطن والمواطن هي أهم أولوياتي, ولن أسمح لأحد أن يعمل ضد مصالح الشعب علي الإطلاق. وقال: إن خبرته أعطته القدرة علي أن يحدد دقائق وتفصيلات عمليات التحول السياسي والاقتصادي, وإن تمتعه بالصبر وطول البال يمكنه من إدارة عمليات التحول هذه لمصلحة الشعب. فقفز سؤال مباغت : هل يمكن اللجوء إلي حل مجلس الشعب؟! فعاد السؤال: بعد مرور عام من تعديل المادة(76) من الدستور والانتخابات التي تلته, فقد ثبت فشل جميع الأحزاب في الحصول علي نسبة5% من مقاعد مجلس الشعب, وهي الحد الأدني للترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية؟! العملية السياسية متطورة وتحتاج إلي عمل مستمر, كما أن الوقت مازال مبكرا للحكم علي عملية تطور الأحزاب. لكن الشعب يرفض أساليب الفوضي والابتزاز, لأنها ضد مصلحته في تحقيق الاستقرار الذي يحافظ به علي مستوي معيشته. وسئل الرئيس:.. والحزب الوطني؟ وسئل الرئيس عن مد العمل بقانون الطوارئ, فقال: إن النظرة الواقعية لما يحدث تثبت أنه كان ضروريا لمواجهة الإرهاب الذي مازال خطره ماثلا أمام المجتمع, كما أن العالم كله به قوانين لمواجهة الإرهاب أقوي من قانون الطوارئ المصري, الذي نستخدمه في الإجراءات وليس في المحاكمات. وتحدث الرئيس عن أزمة القضاء, وقال: إنه حريص علي هيبة القضاء واستقلاله, وإن الدولة لا دخل لها بها, فهي بين قضاة وقضاة, وكان من الممكن حلها بسهولة إذا تدخلت الدولة, ولكني أطالب أجهزة الدولة بعدم التدخل وأن يحل القضاة مشكلاتهم بأنفسهم, وأقول لرجال القضاء حلوا المشكلات الداخلية بأنفسكم, ويجب أن نحمي القضاء ولا نجعله عرضة للمشكلات السياسية اليومية أو الخلافات السياسية الداخلية. كانت تلك أهم القضايا العامة التي شملها الحوار المفتوح الذي دام ساعتين تقريبا, وإن كان الحوار قد سلك دروبا أخري كشفت عن إلمام الرئيس الكامل بما يحدث من تطورات في أجهزة الإعلام كلها: إذاعة وتليفزيون وصحافة, وأنه متابع جيد للبرامج السياسية في مصر والفضائيات الخارجية. ونالت الصحافة القومية نصيبا من هذا الحوار, بما لها ـ كما قال الرئيس ـ من دور مهم في خدمة المجتمع, ولهذا أكد أنه لا خصخصة للصحف القومية, وطلب من وزير الإعلام أنس الفقي أن تجد الحكومة حلا للمشكلات التي تعاني منها. |