الرئيس جاك شيراك في حوار شامل لـ الأهرام: مصر اختارت الحداثة والانفتاح.. وفرنسا تصاحبها علي هذا الدرب

أجري الحوار في باريس: أسـامة سـرايا | ||
عبر القرون الماضية ربطت بين مصر وفرنسا روابط ثقافية وتاريخية شديدة الخصوصية.. ظلت مصر خلالها بحضارتها العريقة وتجربتها الحديثة الثرية إلي جانب آفاق تميزها تمثل حالة خاصة في الفكر الفرنسي.. ويكفي كشاهد علي ذلك.. تلك المسلة المصرية الشامخة في قلب العاصمة الفرنسية لتعبر بقوة عن حالة تمازج أوروبي ـ متوسطي غاية في التميز, مع ولع فرنسي بكل ما هو مصري.. فقد أسهم الفرنسيون بقوة في إعادة اكتشاف الحضارة المصرية القديمة, بنفس قدر الحماس الذي أسهموا من خلاله في دعم مسيرة مصر نحو الحداثة.. مع كل التقدير لجهودها المتواصلة للارتقاء بواقعها, أملا في مسايرة التطورات العالمية وقوتها في مواصلة التقدم نحو الحداثة بقدر كبير من الحنكة والعزيمة. تفاصيل ذاك الإرث الثقافي المتبادل حملتها معي في طريقي لمقابلة الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبيل زيارته لمصر, التي تبدأ اليوم.. وهي المقابلة التي استغرقت ضعف وقتها المقرر.. فقد تفضل فخامته بأناقة فرنسية لايمكن إنكارها, بالإجابة عن جميع الأسئلة التي كنت أحملها معي.. وعلي الرغم من ضيق وقته وقدر كبير من الضغوط الداخلية التي تشهدها فرنسا الآن مع جهودها لحل أزمة البطالة.. فإن هذا لم يمنع الرئيس الفرنسي ـ الذي حمل داخله اختصارا لعشق الفرنسيين لمصر واعجابا واحتراما شديدين بشخص الرئيس حسني مبارك ـ قدم فخامته إجابات وافية عن كل ما كان في جعبتي من تساؤلات تشمل جميع القضايا الملحة التي نواجهها اليوم. مع قدرة الرئيس شيراك المذهلة علي حسن الضيافة, وهي ميزة الفرنسيين المعروفين باحترامهم الشديد للآخرين.. بالإضافة إلي سماته الشخصية التي تتسم بحرص شديد, علي التعامل ببساطة وحميمية مع ضيوفه.. تحدثنا في محيط من الود والاحترام حول رؤيته لمصر الآن, وهي تتجه بخطي ثابتة نحو المستقبل فهي في نظره إحدي الدول الأساسية في عالم الغد, وهي دولة محورية في استقرار المنطقة وشريك كامل وبناء في خدمة السلام والاستقرار والتنمية.. وقال لي عن علاقته بالرئيس مبارك, أنها بدأت منذ أن كان قائدا للقوات الجوية المصرية, وأضحت اليوم إحدي أهم علاقات الصداقة السياسية في العالم التي تتميز بحوار مفتوح وحر, حول جميع القضايا وتصورات مشتركة للتحديات الدولية, وكيفية مواجهتها كشركاء متكافئين مع احترام كل منا لهوية الآخر وقناعاته وتقديره, خاصة من الرئيس شيراك لجهود مبارك في محاربة آفة الإرهاب الدولية ودفعه لمصر نحو الديمقراطية والانفتاح علي الآخر. الأهرام: فخامة الرئيس.. أهلا وسهلا بكم في مصر, وشكرا لكم علي استقبالكم لنا. كما أود أن أعرب عن عميق تقديري واحترامي للشعب المصري, فهو شعب شجاع يتحلي بالفطنة, ويضطلع بمسئولياته, وهي مسئوليات جسيمة في الشرق الأوسط, كما أنه علي ملتقي طرق تتشابك ما بين إفريقيا وآسيا, وتقع علي عاتقه مسئولية خاصة في الإبقاء علي التوازن العام في الشرق الأوسط, وهي منطقة جذابة ومحببة وعسيرة, إنها أرض حضارة عميقة الجذور.ولهذه الزيارة هدفان: إنها ترمي في المقام الأول إلي إعطاء دفع جديد لعلاقاتنا الثنائية الممتازة التي ازدادت صلابة علي مدي سنين طويلة بفضل أواصر الصداقة المتينة المبنية علي الثقة التي تربط بين القادة, والتي يعززها تبادل مطرد لوجهات النظر علي مستوي رفيع, تبادل بات الآن يفضي إلي مشاورات دبلوماسية شاملة. إن آخر زيارة لي لمصر تعود إلي أربعة أعوام تقريبا, ومنذ ذلك الحين شهدت مصر تحولات ضخمة. ففي مواجهة ما يصادفها من تحديات كبري اختارت الحداثة والانفتاح, وفرنسا ترغب في مصاحبتها علي هذا الدرب, وبالتالي حان الوقت لنستعرض أحوال التعاون القائم فيما بيننا كي نعطيه ديناميكية جديدة علي الصعيد الثقافي, وأيضا علي الصعيد الاقتصادي. ومن جهة أخري أنتم تدركون الظروف الدولية الراهنة, حيث يتزايد التوتر في المنطقة, ومعه أسباب إساءة فهم الشعوب لبعضها بعضا, شعوب تنتمي إلي ثقافات متباينة. إن مصر بلد عظيم يضطلع بدور أساسي في استقرار الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وإفريقيا. إن مصر تشاطر فرنسا القيم نفسها, وهي كثيرة ومبنية علي الحوار واحترام الآخر, فضلا عن أنها تمثل بالنسبة لنا شريكا كاملا وبناء في خدمة السلام والاستقرار والتنمية, وبالتالي بات من المهم لبلدينا أن يتشاورا باستمرار, وستمثل زيارتي فرصة مناسبة لتبادل وجهات النظر, ولتصور كيفية التحرك في مواجهة التحديات الجديدة. الأهرام: تأتي زيارتكم إلي مصر في وقت شهدت فيه البلاد إصلاحات مهمة, أطلقها الرئيس مبارك, في المجالات السياسية والاقتصادية.. فكيف تنظرون إلي هذه الإصلاحات؟ الأهرام: لقد عرفتم الرئيس مبارك منذ أن كان يشغل منصب نائب الرئيس, وأنتم تشغلون منصب رئيس بلدية باريس, فكيف تقومون العلاقات القائمة بينكما, إذ أضحت اليوم إحدي أهم علاقات الصداقة السياسية في العالم؟ وما هي العناصر الأساسية في التحليلات والرؤي التي تتقاسمونها مع الرئيس مبارك؟ إن هذه العلاقة القائمة علي الثقة, توطدها بين حين وآخر لقاءات واتصالات هاتفية متكررة, وعلي مر هذه السنين لم نكف عن التحدث معا في جميع مسائل العصر الكبري, سواء كانت مسألة السلام في الشرق الأوسط, أو استراتيجية مكافحة الإرهاب, أو كيفية بناء الجسور بين ضفتي المتوسط. إننا نتشارك الحرص نفسه علي سلام واستقرار المنطقة, وهو حرص راسخ في اقتناع مفاده أن الصراعات المسلحة لم تشكل يوما الحل. إن الرئيس مبارك رجل حكمة وخبرة, والشرق الأوسط بحاجة لخبرته, والحوار معه جعلني أدرك كثيرا الحساسيات في هذه المنطقة, ونحن أيضا لدينا تصور مشترك للتحديات ولكيفية مواجهتها, يقرب فيما بيننا. ويتميز هذا التصور بداية بإرادة التحاور كشركاء متكافئين, مع احترام ما يتميز به كل منا من حيث هويته وقناعاته.. إننا نتقاسم القناعة بوجوب أن يكون القانون الدولي قانونا لنا جميعا, مما يفترض تحديدا تطبيقا كليا لقرارات الأمم المتحدة. وفي عالم تطغي عليه الشمولية بات يتأكد أن تعددية الأطراف هي الوسيلة المثلي لتنظيم العلاقات الدولية. وأخيرا لدينا نحن الاثنين اقتناع بأن المشاركة القائمة بين بلدينا من شأنها أن تسهم في انتشار ذهنية الحوار, والتوافق والصلح الذي تحتاجه بشدة شعوب هذه المنطقة من أجل إقامة السلام والحفاظ علي الاستقرار والترويج للتنمية. الأهرام: إن العلاقات بين فرنسا ومصر تعتبر دائما علاقات ممتازة, وعلي المستوي الاقتصادي تعد فرنسا من بين الدول الخمس الأوائل المستثمرة في مصر.. فما هي المشروعات الاقتصادية الجديدة التي تعتزمون مناقشتها مع الرئيس مبارك؟ ومن ناحية أخري أصبح لفرنسا وجود مؤكد في قطاع الخدمات, فالشركات الفرنسية تتبع بالفعل سياسة تمركز واستقرار في السوق المصرية, وذلك في كم واسع من النشاطات مثل: السياحة, والمخازن الكبري, والنقل, وخدمات المعلوماتية, والخدمات المالية. وأخيرا.. وبالأخص, لقد أصبحت فرنسا ثاني مستثمر أجنبي في مصر بعد الولايات المتحدة, مع وجود ما يقرب من90 شركة توظف36 ألف مصري, وبإسهامات تقدر بملياري يورو تقريبا, إنها موجة متصاعدة من المستثمرين الفرنسيين الذين يتدفقون باستمرار وقد جذبتهم مصر بنموها وبموقعها.. فهي تقع علي مفترق طرق مؤدية إلي عدد من مناطق التبادل التجاري الحر. إن مصر تنفتح وتتحرر, مما يقود إلي تحول سريع في أجواء عالم الأعمال التجارية. وفيما يتعلق بمشاريع ملموسة سوف أتطرق مع الرئيس مبارك إلي موضوع إنشاء الخط الثالث لمترو القاهرة, فالشركات الفرنسية تملك مؤهلات كثيرة في هذا الخصوص, ولدي فرنسا استعداد لتقديم إسهام كبير في هذا المشروع. وعليه أود القول إن فرنسا عازمة علي المراهنة علي مصر, وهو رهان رابح, ومن أجل الإبقاء علي هذه الديناميكية, سوف يرافقني وفد من رجال الأعمال, وبصحبتهم سأقوم بتأسيس مجلس فرنسا ومصر الرئاسي للأعمال في قلب مدينة التقنيات الأكثر حداثة القرية الذكية وستكون مهمة هذا المجلس تدعيم المشاركة التي تقوم عليها علاقتنا بكامل أبعادها, وسوف نتطرق إلي آفاق ممارسة الوكالة الفرنسية للتنمية لنشاطها في مصر. الأهرام: فخامة الرئيس.. أنتم تتحدثون دائما عن ضرورة الحوار بين الحضارات, ولقد كان دائما لفرنسا دورها في تعزيز احترام ثقافة الآخر, والآن سوف تفتتحون الجامعة الفرنسية في مصر, فما هو تصوركم للدور الذي ستضطلع به هذه الجامعة للحفاظ علي حوار الثقافات بين فرنسا ومصر من جهة, وبين فرنسا ومصر وباقي أقطار العالم من جهة أخري؟ وما هي نواحي التعاون في المجال التربوي التي ستتباحثونها مع الرئيس مبارك؟ | ||
شيراك: إنني مقتنع بوجوب إقامة حوار بين الثقافات, بداية لأنه اقتناع شخصي لدي, فأنا أهوي تاريخ الشرق الأوسط وحضاراته, وإني ملم به بعض الشيء, وهذا الإلمام بالتاريخ دفعني بشكل طبيعي إلي احترام البشر, وعندما نحترم البشر لابد من أن نتفهمهم علي نحو أفضل, ويتبين للناس جيدا متي يكونون موضع تقدير ووقار, ومتي نقلل من اعتبارهم. ومن هذا المنطلق فإن المبادلات الثقافية واللغوية هي بالفعل أمور أساسية من أجل تعزيز التلاحم بين الشعوب علي ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الخصوص سوف يمثل الافتتاح الرسمي للجامعة الفرنسية في مصر أحد أهم وأقوي محطات زيارتي هذه. إن هذه الجامعة المصرية التي تدرس باللغة الفرنسية تمثل مشروعا قائما منذ عشر سنوات, وقد بدأ سير العمل فيها منذ ثلاثة أعوام, فعرفت كيف تستقطب الجمهور, وأسست شهرة لها بفضل نوعية المواد التعليمية الرفيعة المستوي. إنها المؤسسة المصرية الوحيدة التي تعتمد فيها الفرنسية كلغة تدريس, إلي جانب العربية والإنجليزية. وفي نهاية مرحلة الدراسة تمنح الجامعة شهادات الدبلوم العليا التي تصادق عليها أيضا جامعات فرنسية بحيث يتسني للطلاب متابعة دراستهم في فرنسا أو في أوروبا بسهولة أكبر. ومن البديهي القول إن شهادات الدبلوم العليا هذه هي الوسيلة المفضلة لممارسة مهنة مستقبلية معينة لاسيما في تلك الشركات الفرنسية التي تستقر بأعداد متزايدة في بلادكم, كما أن الجامعة الفرنسية في مصر لم تواجه صعوبة في جذب اهتمام متبرعين ومستثمرين من القطاع الخاص, أحرص علي توجيه تحية إكرام خاصة لهم. وعلاوة علي ما سبق فإن مصر وفرنسا تجمعهما روابط ثقافية قوية ووطيدة من نوع خاص, سيكون من شأن هذه الزيارة تدعيمها وتعزيزها. إن مصر تبهر فرنسا, وهي بمثابة حلم لها, فما كان قد حل بعاصمتنا لولا المسلة المصرية في ساحة الكونكورد التي أهداها لها محمد علي؟ وفرنسا من جهتها كانت ولاتزال تأتي إلي مصر بأفضل ما لديها, فشامبليون عندما فك الرموز الهيروغليفية أسهم في جعل المصريين يستردون ماضيهم, وفي القرن الماضي أسهم الفرنسيون في نشاط القطاع الصناعي, وفي مسيرة مصر نحو الحداثة علي جميع الأصعدة الزراعية منها, والطبية, والتعليمية.. واليوم لايزال الشغف بمصر يخلب العقول في فرنسا. إن التعاون القائم بيننا في مجال الآثار لا نظير له, وهذا الانبهار ليس سمة الباحثين المتخصصين في مصر القديمة, بل إنه منتشر أيضا لدي الجمهور العريض بحيث يزور مصر500 ألف سائح فرنسي سنويا, فضلا عن آلاف الفرنسيين المغتربين الذين يعيشون في هذا البلد. إن هذه العناصر كلها تسهم بشكل أساسي في إثراء العلاقة القائمة مع الجانب الآخر من المتوسط. الأهرام: هل لديكم رسالة توجهونها للشعب المصري؟ إذن هي ثقة بمستقبل مصر وبمستقبل الشعب المصري, وأقصد الحداثة في المجال الاقتصادي, مصر الهائلة, لأنها ستصبح يوما إحدي الدول الأساسية في عالم الغد, وهي باعتقادي تضطلع بهذه المسئولية بكثير من الحكمة. الأهرام: علي مر السنين, كان بينكم وبين الرئيس مبارك, حوار مستمر حول مشكلات الشرق الأوسط والمشكلات العالمية, التي كان لديكم تجاهها آراء متقاربة. فكيف تنظرون إلي إمكانية تنسيق الجهود فيما بينكما سعيا لإخراج المنطقة من دوامة العنف الجهنمية؟ الأهرام: فوز حماس في الانتخابات الديمقراطية والحرة التي أجريت في فلسطين, أثار اعتراض بعض الدول, وبالأخص إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأنتم تطالبون حماس باحترام القواعد القانونية التي تفرض نفسها علي مستوي العالم, ومنها التخلي رسميا عن العنف, ولكن إسرائيل مستمرة في ممارسة العنف ضد الفلسطينيين, وإضعاف الحكومة الجديدة. فما هو موقف فرنسا إزاء السياسة الإسرائيلية المعادية لحماس؟ وهل تعتقدون أنه لاتزال هناك فرصة لإنقاذ عملية السلام؟ وفيما يخص الآمال المعلقة علي السلام, فإن وصول حماس إلي السلطة يغير بكل تأكيد المعادلة الإقليمية. ومن المبكر التكهن بما سيكون لها من تداعيات حقيقية علي آفاق التسوية في المنطقة, حيث كل شيء مؤهل كما تعلمون للتطور بسرعة بالغة. وفي الوقت الحاضر, ندعو حماس إلي تفهم أن دروب العنف تقود إلي طريق مسدود, وإلي مواصلة انتقالها نحو العمل السياسي عبر الإبقاء علي احترامها للهدنة والالتزام بالتخلي عن العنف والاعتراف بإسرائيل. لقد قبلت حماس المشاركة في الانتخابات, فبات يتعين عليها من الآن فصاعدا المضي في هذا المنطق حتي نهايته, إذ لا وجود لبديل آخر. الأهرام: شهدت العلاقات بين فرنسا وإسرائيل خلال فترة رئاستكم العديد من الاضطرابات.. فكيف تنظرون إلي مستقبل هذه العلاقات بين بلديكما, عقب الانتخابات الاسرائيلية وتشكيل حكومة ائتلاف يرأسها حزب الوسط كاديما وزعيمه إيهود أولمرت؟ وهل تعتقدون أن هذه العلاقات قد تؤثر بشكل سلبي, أو ربما إيجابي, علي الروابط القوية والمتينة القائمة بين فرنسا والعالم العربي؟ | ||
شيراك: فرنسا حريصة علي شرعية إسرائيل وهي تقيم مع هذه الدولة, منذ تأسيسها, علاقات صداقة, جري تعزيزها عبر عملية إعادة تنشيط للعلاقات الثنائية, الجارية منذ عدة سنوات. وفيما يتعلق بعملية السلام, فإن علاقاتنا ارتكزت دائما علي موقف متزن, يتجلي من خلال تحرك حازم لصالح تسوية عادلة ودائمة للصراع. إن الانتخابات التشريعية قد سمحت للشعب الإسرائيلي بأن يظهر بشكل جلي وواضح أنه يتطلع إلي تسوية لهذا الصراع, وهذا أمر يفترض استئناف المسيرة المبنية علي التفاوض, وبهذا الخصوص, أنوه بأن رئيس الوزراء السيد أولمرت أكد, فور انتصار حزبه, أن خياره الاول يكمن في استئناف المفاوضات, فكونوا علي يقين أن فرنسا والاتحاد الأوروبي سيضعان كامل ثقلهما في الميزان, وسيستنفذان كل مالديهما من تأثير, في خدمة هذا المشروع. الأهرام: بعد فوز أولمرت, وقبله فوز حركة حماس.. هل تعتقدون أن مسيرة السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين قد وصلت إلي نقطة اللا عودة؟ وماهو الدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا للتقريب بين الجهتين اللتين لاتعترفان ببعضهما بعضا؟ الأهرام: قدم سرج برامتز, رئيس لجنة التحقيق الدولية حول اغتيال رفيق الحريري, تقريره الأولي.. فهل أنتم راضون عن تعاون سوريا مع لجنة التحقيق؟ وما الذي تنتظرونه من سوريا في المرحلة المقبلة من التحقيق؟ وهل تنوون وضع حد لعزلتها الدولية في حال تعاون كامل من جانبها؟. إنها فرصة لسوريا لكي تقيم مع لبنان علاقات مبنية علي المساواة, وتقوم علي الاحترام المتبادل للسيادة. إن الروابط بين الشعبين السوري واللبناني, هي روابط تاريخية, وسياسية وثقافية, واقتصادية ولها أبعادها الاستراتيجية, ولذا فإن الثقة والتقدير المتبادلين كفيلان بجعلها مثمرة وذلك لصالح الدولتين. ومثلي في ذلك مثل المجموعة الدولية بأسرها, فإنني أقدر الدور النشيط الذي يضطلع به الرئيس مبارك, ومشاوراتنا متواصلة بهذا الشأن, كما أنني أدرك أن السياسة التي نتبعها في هذه القضية يساء فهمها أحيانا, علي الرغم من أننا لم نغير من قناعاتنا ومن التزاماتنا لصالح سيادة لبنان.. فضلا عن أنه ليس لدينا جدول أعمال خفي أو مستتر بشأن سوريا, التي نعتبرها بلدا كبيرا في المنطقة, ومؤهلا للعودة مجددا إلي الكنف الدولي علي نحو طبيعي, ولاستعادة, بالأخص, علاقاته التقليدية مع فرنسا. ولكن, تحقيقا لهذا الغرض, يتعين علي سوريا أن تغير تصرفها, وخصوصا بالنسبة لعلاقاتها مع لبنان, وأن تتعاون بدون تحفظ مع لجنة التحقيق الدولية. الأهرام: تحدث العديد من المراقبين عن تقارب في وجهات النظر السياسية ما بين فرنسا والاتحاد الأوروبي من جهة, والولايات المتحدة من جهة مقابلة, لاسيما فيما يخص إيران ولبنان, فهل هذا التقارب يشمل أيضا مشكلات الشرق الأوسط الأخري, وبالأخص العراق وسياسة الإصلاحات؟ وهل هو يمثل خطوة من جانبكم أنتم أم أنه تقارب متبادل؟. الأهرام: العنف مستمر في العراق ويهدد بحرب مدنية دامية, والولايات المتحدة مستمرة في افتعال العنف. كيف تتصورون انقاذ العراق من تقسيم محتمل, وهل تظنون أنه من الممكن للاتحاد الأوروبي أن يضطلع بدور تحقيقا لهذا الغرض؟ وكيف تقيم فرنسا الهجوم الأمريكي الأخير ضد السنة؟ وعلي الرغم من أن القوات متعددة الجنسيات منتشرة في العراق بناء علي القرار1546 الصادر عن الأمم المتحدة, فإن هذا الوجود الأجنبي يعاديه قسم من الرأي العام العراقي, وهذه مسألة جوهرية من أجل إنجاح الحوار الوطني, الذي أتمناه في الصميم. فلو ارتسم في الأفق موعدا لمغادرتها, قد يصبح بامكان العراقيين الدخول بيسر في منطق اكثر مسئولية. الأهرام: كان لفخامتكم وفخامة الرئيس مبارك موقف مشترك من خلال الاعلان عن رغبتكم في أن تتخذ الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا لصالح اخلاء منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل. هل بالامكان تحقيق ذلك بينما تصر إيران علي الاستمرار في برنامجها النووي؟ وهل تساند فرنسا الموقف الأمريكي القاضي باحتمال توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد إيران؟ وما تصوركم لتحقيق هدف كهذا, بينما تستمر اسرائيل في التعتيم علي سياستها النووية؟ إنني أعلن بقوة أن الباب لايزال مفتوحا أمام استئناف المباحثات, بمجرد أن تلتزم ايران بمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومطالب مجلس الامن. فالقرار اليوم بين أيدي القيادات الإيرانية, أكثر من أي وقت مضي, عليها أن تعي أن أفق دولة إيرانية مجهزة عسكريا بالسلاح النووي هو أمر غير مقبول بالنسبة للمجموعة الدولية. وبالطبع أعلق أهمية كبري علي وجهة نظر الرئيس مبارك حول هذه المسألة الرئيسية بالنسبة للسلام في المنطقة وفي العالم. كما أنني أشاطره اقتناعه بالكامل بأن اخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار ومن الصواريخ الناقلة لها سيمثل خطوة متقدمة من أجل سلام واستقرار المنطقة. الأهرام: لم يحقق مؤتمر برشلونة الدولي حول التعاون الأوروبي ـ المتوسطي الغرض المرجو منه. فهل تعتزمون إعادة إحياء مسيرة برشلونة ومبادئها سعيا إلي تشجيع التعاون الثقافي, والسياسي, والاقتصادي, والاجتماعي, بين بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط؟ وحول جميع هذه المسائل, تلعب مصر دورا محوريا من أجل الحفاظ علي تميز مسيرة برشلونة وتدعيم فعاليتها. وانعقاد منتدي متوسطي في مصر, تشارك فيه فرنسا, بعد أيام قليلة من زيارتي, سيمثل برهانا إضافيا ساطعا. الأهرام: لدينا شعور بأن الدول العربية مهددة من جراء العولمة. فهل تشاطروننا الشعور ذاته؟ وهل هناك حدود قصوي, لا يجوز تخطيها, للعولمة في الدول الديمقراطية, في إطار اقتصاد السوق؟ الأهرام: اتخذ أمين عام الأمم المتحدة قرارات من أجل إصلاح المنظمة الدولية, علي غرار تأسيس مجلس لحقوق الإنسان, برغم اعتراض الولايات المتحدة. كيف تنظرون إلي هذه الإصلاحات؟ وهل تعتقدون أن هناك إمكانا لإنقاذ الأمم المتحدة لكي تضطلع مجددا بدورها الرئيسي في العالم؟ إن النقطة الأساسية في عملية الإصلاح هذه, تكمن في تعزيز السلطة, وبالتالي الصفة التمثيلية لمجلس الأمن. وهذا الأمر يمر عبر زيادة عدد أعضائه, بحيث يتسني, بالأخص لإفريقيا أن تتخذ موقعا كاملا لها. كما أن مجلس حقوق الإنسان هو أيضا عنصر أساسي من عناصر عملية الإصلاح هذه. إننا نتقاسم مع مصر قناعة مفادها أن الأمم المتحدة تمتلك وحدها التفويض والشرعية والشمولية اللازمة للتعامل بفعالية مع الأوضاع التي تتسم بالخطورة, في هذا المجال. وسيتسني لهذا المجلس ـ الذي يتمتع باستمرارية تفوق تلك التي كانت تحظي بها اللجنة العليا ـ متابعة الوضع بشكل متواصل عبر العالم, كما أن رفع الصفة القانونية المسندة إليه والارتقاء بها إلي مستوي أعلي, سيوفر للمجلس سلطة وشرعية متجددتين, تعودان بالفائدة علي الأمم المتحدة بمجملها. الأهرام: بات الحوار بين الثقافات والأديان في العالم, يفرض نفسه علي الساحة الداخلية الفرنسية بسبب وجود جالية مسلمة كبيرة, فالدين الإسلامي يعتبر الديانة الثانية في فرنسا. كيف تنظرون إلي العلاقات مع مسلمي فرنسا في ظل ما يجري من مجابهات دولية تستهدف الإسلام اليوم؟ وكيف تنوي الحكومة الفرنسية تغيير أوضاع الجاليات المهمشة في فرنسا. وبالنسبة للشق الثاني من سؤالكم, فإن فرنسا فيما يخصها تكن الاحترام للاديان كلها, ولسائر المعتقدات. لقد بات الإسلام بالفعل الديانة الثانية في بلادنا ولها مكانتها كاملة, والكثير من مسلمي فرنسا يحملون الجنسية الفرنسية, بيد أن التقاليد القائمة علي تعدد الأديان التي تتبعها فرنسا استدعت ارساء تنظيم خاص لضمان تعايش منسجم بين الديانات والمعتقدات كلها, وعليه وقع خيارنا علي العلمانية التي تعني فيما تعنيه حياد الدولة ومؤسساتها, وذلك ليس بغرض انكار الواقع أو حقوق الأديان, بل علي العكس من أجل أن يتسني لهم العيش معا, وفي هذا الإطار تعد فرنسا مثالا يحتذي به إذ أن المسلمين ينعمون بحرية تامة, حرية الفكر والمعتقد وممارسة الشعائر مثلهم في ذلك مثل اتباع باقي الديانات, لاسيما من أهل الكتاب. وأخيرا, تبقي هنا مشكلة مطروحة تكمن في صعوبة الاندماج التي يصادفها بعض الاشخاص الذين غالبا ما يكونون من ابناء المهجر, ومن المقيمين في الاحياء الصعبة, أنها مسألة معقدة تتطلب ردا شاملا ألا وهو: مكافحة جميع أنواع التمييز, وهو شأن حققنا فيه خطوات متقدمة بفضل تحرك حازم ويحضرني هنا بالأخص تأسيس هيئة عليا من أجل مكافحة التمييز, وقد تم للتو توسيع نطاق صلاحياتها كي تكافح علي نحو أفضل الممارسات غير المقبولة التي تنم عن تفرقة وتمييز ويتعين علينا أيضا الترويج لتكافؤ الفرص في مجال العمل وتأمين المسكن والتعليم.. ثم, وفي الطرف الآخر من السلسلة, هناك أفواج الهجرة المتدفقة, التي يستدعي التعامل معها تقديم أجوبة بالتشاور ما بين دول جنوب وشمال المتوسط. وهذه بالطبع مواضيع سوف استمع بانتباه لآراء وتعليقات الرئيس مبارك بشأنها. الأهرام: كانت لكم وجهات نظر قريبة من وجهات نظر الرئيس مبارك بشأن محاربة الإرهاب, لاسيما أنكم تنظرون إليه كظاهرة دولية, غير محصورة في المسلمين. واليوم وفي مواجهة تصاعد العداوة ضد العالم الإسلامي كيف تتصورون التعاون مع مصر لمحاربة هذه الآفة الدولية؟ وكما تعلمون, فإن فرنسا دفعت ايضا ثمنا باهظا في الماضي من جراء الإرهاب, وقد كان ردها دائما يتسم بأقصي درجات الحزم, وهي تدرك أن هناك جماعات إرهابية تستغل التقلبات والغموض الناتج عن العولمة, لكن هذا يشكل, علي العكس سببا اضافيا للحث علي الحوار بين الثقافات بحيث يتم استيعاب ما لدينا من تباينات علي نحو أفضل فينظر لها بروح التسامح المتبادل وبانفتاح. |