فاعليات

مبارك‏:‏ عمليات الإصلاح والتغيير مستمرة ومصر تتقدم في النمو الاقتصادي

كتب ـ أسـامة سـرايا
في رحلة العودة علي متن طائرة الرئاسة‏,‏ من جولة مكوكية ومباحثات مطولة شملت خمس دول خليجية‏,‏ هي الإمارات والبحرين وقطر والكويت والسعودية‏,‏ تحدث الرئيس حسني مبارك إلي رؤساء تحرير الصحف المصرية‏,‏ الذين رافقوه لأول مرة في جولة خارجية‏,‏ بعد التغييرات الصحفية التي تمت في أوائل الصيف الماضي‏.‏

دخل الرئيس إلي مكان جلوس الصحفيين مبتسما كعادته‏,‏ دون أي ملمح من ملامح الارهاق‏,‏ بالرغم من أعباء يوم عمل طويل بدأ من دولة البحرين وانتهي بمباحثاته التي دامت ما يقرب من‏3‏ ساعات مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز‏,‏ وراح يشرح بتدفق وبقلب مفتوح تداعيات الأوضاع الساخنة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط‏,‏ وخطورة الأحداث المتقلبة المضطربة التي تقع بمعدلات شبه يومية‏.‏

وعرج الرئيس الي الأحوال الداخلية‏,‏ واتسمت كلماته بالتفاؤل والأمل في مستقبل أفضل سياسيا واقتصاديا‏.‏

وبحكم الرحلة الي دول الخليج‏,‏ كانت مباحثاته مع القادة العرب فيها هي مدخله إلي الحديث‏,‏ فوصف الرحلة بأنها ناجحة جدا بكل المقاييس‏,‏ وأنها هيأت السبل إلي عقد قمة عربية تتوافر لها مقومات النجاح وتحقيق إنجاز يمكن أن تلمسه شعوب المنطقة علي أرض الواقع‏.‏

وقال الرئيس إن أبرز ما حققته مباحثاته الخليجية‏,‏ أنها مهدت الأجواء لجعل العلاقات بين الدول العربية أحسن‏,‏ وأن تستمر في التحسن‏,‏ حتي يمكن أن يصل العرب إلي مواقف وأفكار متناسقة في سياساتهم الخارجية وردود أفعالهم تجاه ما يحدث‏.‏

وقال إن الإيجابيات كثيرة فعلا‏,‏ ومنها الاتفاق علي عقد ما يمكن أن نسميه قمة غير تقليدية تشاورية‏,‏ ليس علي النمط التقليدي المتعارف عليه‏,‏ فتكون دون تجهيز‏,‏ وجدول أعمالها مفتوح والحوار فيها حر وليس فيها خطب تقليدية‏,‏ وتستهدف التنسيق بين مواقف الدول العربية إزاء القضايا الملتهبة المطروحة علي الساحة‏.‏

وقال الرئيس إن هذه القمة غير التقليدية سوف تعقد في شرم الشيخ‏,‏ وقد رحب بها القادة العرب وطالبوا بأن تكون أكثر من مرة في العام إذا أمكن ذلك‏.‏

وأضاف مبارك‏,‏ إن مباحثاتي وجولاتي لتحسين العلاقات بين الدول العربية بعضها ببعض‏,‏ هي طريق أساسي لتوثيق العلاقات الاقتصادية بين العرب‏,‏ وبين مصر والدول العربية كلها‏.‏

وقبل أن نسترسل في حديث الرئيس عن الأوضاع الخارجية‏..‏ ننتقل في عجالة إلي ما قاله عن الأحوال في مصر ورؤيته لمستقبلها‏,‏ في تلك اللحظات الفارقة والمهمة في تاريخها الحديث‏.‏

وبالطبع كان مفتاح الحوار سؤالا مباشرا عن تقويمه للتطورات السياسية‏,‏ بعد مرور عام علي مبادرته بتعديل المادة‏76‏ من الدستور‏.‏

وأجاب الرئيس بصراحته المعهودة قائلا‏:‏ إن المبادرة أحدثت تحولات حقيقية وكثيرة في المجتمع المصري‏..‏

أولا‏:‏ دفعت المجتمع المدني خطوات واضحة إلي الأمام‏.‏

ثانيا‏:‏ حافظت علي استقرار البلاد‏.‏

ثالثا‏:‏ أدت إلي مزيد من الاستثمارات وتحسن الأداء الاقتصادي‏.‏

ووصف مبارك مبادرة تعديل المادة‏76‏ من الدستور بأنها كانت مفاجأة كبيرة‏,‏ سواء في مصر أو في العالم أجمع‏,‏ ولم يكن أحد يدري بها‏,‏ هنا أو في أمريكا أو في أوروبا‏,‏ وقد تغيرت لغتهم جميعا مع مصر بعد هذه المبادرة‏.‏

وشدد الرئيس علي كلماته وهو يقول‏:‏ أنا لا أعمل لمصالحي وإنما لمصلحة الأجيال الجديدة ولمصلحة مصر‏..‏ ولهذا لم أندم علي خطوات وقرارات اتخذتها‏.‏

وأضاف الرئيس‏:‏ أن عملية الإصلاح مستمرة وأن التطورات الديمقراطية مستمرة‏,‏ وتتغير من مرحلة إلي مرحلة حسب درجة النمو في المجتمع الذي تحدث فيه ونمو نظامه السياسي‏,‏ وقال إن الإصلاح ليس عملية أتوماتيكية‏,‏ أضغط علي زرار فيحدث التحول فورا‏,‏ لأن العمل مع الشعوب يلزمه الحنكة والوقت والنمو المستمر‏.‏

وأكد الرئيس أن التعامل مع الإصلاح الدستوري سيكون عبر البرلمان‏,‏ وأننا لن نحتاج إلي لجان لتعديل الدستور‏,‏ حتي لا نقع فريسة للشائعات والبلبلة‏,‏ ونعود إلي مناقشات لا جدوي منها مثل مجانية التعليم وتمثيل العمال والفلاحين‏,‏ وهذا يؤثر علي أوضاع البلد واستقراره‏,‏ ونحن ندرك أن إحداث التغيير المنشود يتم باستمرار‏,‏ وأن عمليات الإصلاح تتم بشكل دوري‏,‏ مستفيدين من التطورات الجارية في الاقتصاد والسياسة المصرية‏.‏

وقال إنه مازال مقتنعا بأن نظام مصر الحالي رئاسي برلماني هو الأنسب لها‏,‏ وأن السلطة في مجالات كثيرة في يد رئيس الوزراء‏,‏ لكن توجد مرجعية للرئيس في تعيين الوزراء‏,‏ حتي يكون مجلس الوزراء متجانسا ولا تحدث فوضي‏,‏ لأن الفوضي هي عدو الديمقراطية الأخطر‏.‏

واعتبر الرئيس نظرية الفوضي الخلاقة مبدأ خطيرا جدا علي كل البلاد‏,‏ بما فيها الأمريكيون أنفسهم‏,‏ وقال إنه يعتقد أن الأمريكيين يعيدون النظر الآن في هذه المفاهيم الخاطئة‏.‏

وسكت الرئيس برهة واستكمل حديثه منتقلا إلي الأحزاب المصرية‏,‏ وقال‏:‏ إنه يتطلع بشدة إلي ظهور أحزاب قوية‏,‏ وأضاف أنه يتطلع أيضا إلي أن تواصل الأحزاب عمليات الإصلاح داخلها‏,‏ وأن تقلل من عمليات الاضطرابات بها‏,‏ وأن تفكر في إدخال آليات جديدة في عملها‏,‏ وتتجه إلي الشارع لتشارك في عمليات الإصلاح والنمو والتطور الديمقراطي‏.‏

وطلب الرئيس من نواب مجلس الشعب أن يكونوا واقعيين‏,‏ وأن يتبعد أداؤهم عن الألفاظ البذيئة التي تؤثر عكسيا‏.‏

واكتسبت كلمات الرئيس قدرا كبيرا من الثقة والانشراح وهو يتحدث عن التطورات الاقتصادية‏,‏ فوصف ما يحدث من تنمية في شرق العوينات بأنه تحفة اقتصادية وأشاد بمشروع توشكي‏.‏

ووجه كلمة إلي الشباب قال فيها‏,‏ إن الدنيا تتغير كل يوم‏,‏ وأحيانا كل ساعة‏,‏ وأن مصر تبذل مجهودات خلاقة في النمو‏,‏ وأن النظام الاقتصادي يتغير‏,‏ وان استثمارات جديدة سوف تأتي إلي مصر من دول الخليج وأوروبا وأمريكا‏,‏ بالإضافة إلي التطور السياحي وظهور مناطق جذب جديدة‏..‏ وإن كل ذلك يهييء مناخا يزيد من فرص العمل للشباب‏!.‏

وقال الرئيس‏:‏ إنه سيواصل سلسلة من الاجتماعات المتواصلة لتطوير التعليم والنقل والصحة والبحث العلمي‏,‏ وضرب الرئيس بالكيفية التي واجهت بها الحكومة انفلونزا الطيور نموذجا للنجاح‏,‏ وقال‏:‏ نجحنا في عدم انتشار المرض وهدفنا الآن هو الحفاظ علي الثروة الحيوانية والداجنة في مصر‏.‏

وحين سئل الرئيس‏:‏ ماذا تريد لمصر؟‏!‏
ضحك وقال‏:‏ أريد للبنك المركزي مائة مليار دولار‏,‏ وهذا ليس أملا بعيدا‏,‏ واننا في الطريق إليه‏,‏ وكلنا نذكر أن الخزانة المصرية لم يكن بها في وقت ما دولار واحد‏,‏ وبها الآن ما يقرب من‏25‏ مليار دولار‏,‏ وهذا يزيد من ثقتنا في قدرات مصر الاقتصادية علي تلبية احتياجات مواطنيها وتغطية مطالبهم‏..‏

ورجع بنا الرئيس إلي أوائل التسعينيات حين نجح في إسقاط جزء كبير من ديون مصر الخارجية‏,‏ وقال إن إسقاط هذه الديون أنقذ مصر من الإفلاس‏,‏ لأن اقتصادنا كان وقتها ضعيفا‏.‏

وكانت المائة مليار دولار التي تمناها الرئيس أن تدخل إلي خزينة البنك المركزي‏,‏ هي النقطة الأخيرة في حديثه عن الأحوال الداخلية‏,‏ التي بتنا الآن أكثر اطمئنانا عليها وفتحنا أملا عريضا في مستقبل أفضل‏..‏

وبعد هذا الاطمئنان المؤيد بالأرقام والحقائق‏,‏ يمكن أن نعود إلي الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وقضاياها الساخنة‏..‏

وقد أولي الرئيس للأزمة الإيرانية اهتماما خاصا‏,‏ وقال إن مستقبل العلاقات بين إيران ودول الخليج مشكلة صعبة‏,‏ وحذر الأمريكيين من استخدام القوة العسكرية‏,‏ موضحا أن القوة العسكرية لها تداعيات كبيرة علي مجمل أوضاع المنطقة‏,‏ واذا خرجت المنطقة من عقالها فسوف تصبح بمثابة عناصر تحريض تعمل علي توسيع رقعة العمليات الإرهابية‏..‏

وقال إن المنطقة ليست يوجوسلافيا أو بنما‏,‏ والشيعة ينتشرون في كل دولة بها تقريبا‏..‏ وإيران تمثل لهم عمودا فقريا‏.‏

وكرر الرئيس تحذيره لكل الأطراف من اللجوء إلي القوة العسكرية كما حدث وحذر قبل الحرب الأمريكية في العراق‏,‏ وقال إن الحروب تولد العنف والإرهاب‏,‏ وأضاف أن المشكلة في أساسها سياسية ولا تحل إلا سياسيا وليس بالقوة‏.‏

وأعلن الرئيس موقفه المناهض لاستخدام القوة العسكرية‏,‏ بالرغم من أنه مازال لا يثق في بعض السياسات الإيرانية تجاه مصر‏,‏ وتشجيعهم لبعض عناصر التطرف وتبنيهم لقاتل الرئيس الراحل أنور السادات‏,‏ وكان وقتها الرئيس الإيراني الحالي هو رئيس بلدية طهران‏.‏

وختم الرئيس تحذيره بأن ارتكاب الأخطاء في التفاعل مع هذه الأزمة‏,‏ سيكون وباله وخيما‏..‏ وأن الإرهاب سيضرب الجميع‏.‏

وانتقل الرئيس إلي الأوضاع الفلسطينية وحماس‏,‏ وقال إننا لا نساعد المنظمات الفلسطينية لكونها منظمات‏,‏ لكننا نساعد الشعب الفلسطيني‏..‏ ونري أن أي عقاب للشعب الفلسطيني بسبب ممارساته لحريته وديمقراطيته يمثل خطرا علي منطقة الشرق الأوسط‏,‏ وسبيلا إلي نمو التطرف‏,‏ وقال إننا نساعد الفلسطينيين ليكونوا رأيا موحدا واتفاقا فيما بينهم‏,‏ ليسيروا في العملية السلمية‏,‏ التي نراها هي الطريق الأمثل لحل الصراع الدائر الآن‏.‏

وقال الرئيس إننا ندعم سلطة الرئيس محمود عباس ونحث الإسرائيليين علي التفاوض مع السلطة الفلسطينية‏,‏ وألا يقطعوا الأموال الخاصة بالشعب الفلسطيني‏,‏ فهذه الأموال ليست من حق حكومة من الحكومات وإنما من حق المواطن البسيط‏.‏

وأقول للأمريكيين ألا يوقفوا أي مساعدات للشعب الفلسطيني‏,‏ وقد اتفقت مع الأوروبيين علي ذلك وقد استجابوا بالفعل‏.‏

وقد وصف الرئيس مبارك أحداث العراق الأخيرة بأنها تشبه الحرب الأهلية‏,‏ ودعا الأطراف جميعا إلي العمل السياسي والتعاون حتي يتم انتهاء الاحتلال وأن يسود الأمن في المجتمع العراقي‏..‏ وقال إنه بحث مع قادة الخليج كيفية تقليص الأحداث العراقية المضطربة‏.‏

وتمني الرئيس أن تعود العلاقات اللبنانية ـ السورية إلي متانتها وقوتها‏,‏ وقال إن إرادة الشعوب هي المهمة‏.‏

وأبدي مبارك اهتماما بالغا بما يحدث في السودان ودارفور‏,‏ وأعلن حرص مصر علي توسيع علاقاتها مع كل السودانيين‏,‏ وحرصها أيضا علي توسيع علاقاتها مع دول حوض وادي النيل‏,‏ وقال إنه وجه معاونيه إلي التعاون مع جميع دول الحوض في جميع المجالات ومنها استيراد اللحوم من إثيوبيا‏.‏

وفي ختام حديث الرئيس إلي رؤساء تحرير الصحف في رحلة العودة إلي القاهرة‏..‏ لم ينس أن يتطرق إلي متاعب مهنة البحث عن المتاعب المعروفة باسم الصحافة‏..‏ واستمع إلي الملاحظات التي أبداها البعض علي الأداء المهني وطلب تعاون كل الصحفيين معا‏,‏ وأكد دعمه كل المؤسسات الصحفية‏,‏ وأنه أصدر توجيهاته للحكومة بحل مشكلاتها مع الوزراء المختصين‏.‏

وقال الرئيس‏:‏ إن وعده بإصدار قانون عدم حبس الصحفيين مازال موجودا‏,‏ لكن وضع قانون يرضي كل أطراف المجتمع يحتاج إلي وقت للدراسة حتي يخرج متكاملا‏.‏

وكان قد مضي ما يقرب من ساعتين‏,‏ والرئيس يتحدث ويستمع ويجيب ويسأل أحيانا‏..‏ حتي هبطنا إلي مطار القاهرة‏..‏ وكنا نشعر بأننا أكثر اطمئنانا وأملا في المستقبل‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى