مبارك: عمليات الإصلاح والتغيير مستمرة ومصر تتقدم في النمو الاقتصادي

دخل الرئيس إلي مكان جلوس الصحفيين مبتسما كعادته, دون أي ملمح من ملامح الارهاق, بالرغم من أعباء يوم عمل طويل بدأ من دولة البحرين وانتهي بمباحثاته التي دامت ما يقرب من3 ساعات مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز, وراح يشرح بتدفق وبقلب مفتوح تداعيات الأوضاع الساخنة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط, وخطورة الأحداث المتقلبة المضطربة التي تقع بمعدلات شبه يومية.
وعرج الرئيس الي الأحوال الداخلية, واتسمت كلماته بالتفاؤل والأمل في مستقبل أفضل سياسيا واقتصاديا.
وبحكم الرحلة الي دول الخليج, كانت مباحثاته مع القادة العرب فيها هي مدخله إلي الحديث, فوصف الرحلة بأنها ناجحة جدا بكل المقاييس, وأنها هيأت السبل إلي عقد قمة عربية تتوافر لها مقومات النجاح وتحقيق إنجاز يمكن أن تلمسه شعوب المنطقة علي أرض الواقع.
وقال الرئيس إن أبرز ما حققته مباحثاته الخليجية, أنها مهدت الأجواء لجعل العلاقات بين الدول العربية أحسن, وأن تستمر في التحسن, حتي يمكن أن يصل العرب إلي مواقف وأفكار متناسقة في سياساتهم الخارجية وردود أفعالهم تجاه ما يحدث.
وقال إن الإيجابيات كثيرة فعلا, ومنها الاتفاق علي عقد ما يمكن أن نسميه قمة غير تقليدية تشاورية, ليس علي النمط التقليدي المتعارف عليه, فتكون دون تجهيز, وجدول أعمالها مفتوح والحوار فيها حر وليس فيها خطب تقليدية, وتستهدف التنسيق بين مواقف الدول العربية إزاء القضايا الملتهبة المطروحة علي الساحة.
وقال الرئيس إن هذه القمة غير التقليدية سوف تعقد في شرم الشيخ, وقد رحب بها القادة العرب وطالبوا بأن تكون أكثر من مرة في العام إذا أمكن ذلك.
وأضاف مبارك, إن مباحثاتي وجولاتي لتحسين العلاقات بين الدول العربية بعضها ببعض, هي طريق أساسي لتوثيق العلاقات الاقتصادية بين العرب, وبين مصر والدول العربية كلها.
وقبل أن نسترسل في حديث الرئيس عن الأوضاع الخارجية.. ننتقل في عجالة إلي ما قاله عن الأحوال في مصر ورؤيته لمستقبلها, في تلك اللحظات الفارقة والمهمة في تاريخها الحديث.
وبالطبع كان مفتاح الحوار سؤالا مباشرا عن تقويمه للتطورات السياسية, بعد مرور عام علي مبادرته بتعديل المادة76 من الدستور.
وأجاب الرئيس بصراحته المعهودة قائلا: إن المبادرة أحدثت تحولات حقيقية وكثيرة في المجتمع المصري..
أولا: دفعت المجتمع المدني خطوات واضحة إلي الأمام.
ثانيا: حافظت علي استقرار البلاد.
ثالثا: أدت إلي مزيد من الاستثمارات وتحسن الأداء الاقتصادي.
ووصف مبارك مبادرة تعديل المادة76 من الدستور بأنها كانت مفاجأة كبيرة, سواء في مصر أو في العالم أجمع, ولم يكن أحد يدري بها, هنا أو في أمريكا أو في أوروبا, وقد تغيرت لغتهم جميعا مع مصر بعد هذه المبادرة.
وشدد الرئيس علي كلماته وهو يقول: أنا لا أعمل لمصالحي وإنما لمصلحة الأجيال الجديدة ولمصلحة مصر.. ولهذا لم أندم علي خطوات وقرارات اتخذتها.
وأضاف الرئيس: أن عملية الإصلاح مستمرة وأن التطورات الديمقراطية مستمرة, وتتغير من مرحلة إلي مرحلة حسب درجة النمو في المجتمع الذي تحدث فيه ونمو نظامه السياسي, وقال إن الإصلاح ليس عملية أتوماتيكية, أضغط علي زرار فيحدث التحول فورا, لأن العمل مع الشعوب يلزمه الحنكة والوقت والنمو المستمر.
وأكد الرئيس أن التعامل مع الإصلاح الدستوري سيكون عبر البرلمان, وأننا لن نحتاج إلي لجان لتعديل الدستور, حتي لا نقع فريسة للشائعات والبلبلة, ونعود إلي مناقشات لا جدوي منها مثل مجانية التعليم وتمثيل العمال والفلاحين, وهذا يؤثر علي أوضاع البلد واستقراره, ونحن ندرك أن إحداث التغيير المنشود يتم باستمرار, وأن عمليات الإصلاح تتم بشكل دوري, مستفيدين من التطورات الجارية في الاقتصاد والسياسة المصرية.
وقال إنه مازال مقتنعا بأن نظام مصر الحالي رئاسي برلماني هو الأنسب لها, وأن السلطة في مجالات كثيرة في يد رئيس الوزراء, لكن توجد مرجعية للرئيس في تعيين الوزراء, حتي يكون مجلس الوزراء متجانسا ولا تحدث فوضي, لأن الفوضي هي عدو الديمقراطية الأخطر.
واعتبر الرئيس نظرية الفوضي الخلاقة مبدأ خطيرا جدا علي كل البلاد, بما فيها الأمريكيون أنفسهم, وقال إنه يعتقد أن الأمريكيين يعيدون النظر الآن في هذه المفاهيم الخاطئة.
وسكت الرئيس برهة واستكمل حديثه منتقلا إلي الأحزاب المصرية, وقال: إنه يتطلع بشدة إلي ظهور أحزاب قوية, وأضاف أنه يتطلع أيضا إلي أن تواصل الأحزاب عمليات الإصلاح داخلها, وأن تقلل من عمليات الاضطرابات بها, وأن تفكر في إدخال آليات جديدة في عملها, وتتجه إلي الشارع لتشارك في عمليات الإصلاح والنمو والتطور الديمقراطي.
وطلب الرئيس من نواب مجلس الشعب أن يكونوا واقعيين, وأن يتبعد أداؤهم عن الألفاظ البذيئة التي تؤثر عكسيا.
واكتسبت كلمات الرئيس قدرا كبيرا من الثقة والانشراح وهو يتحدث عن التطورات الاقتصادية, فوصف ما يحدث من تنمية في شرق العوينات بأنه تحفة اقتصادية وأشاد بمشروع توشكي.
ووجه كلمة إلي الشباب قال فيها, إن الدنيا تتغير كل يوم, وأحيانا كل ساعة, وأن مصر تبذل مجهودات خلاقة في النمو, وأن النظام الاقتصادي يتغير, وان استثمارات جديدة سوف تأتي إلي مصر من دول الخليج وأوروبا وأمريكا, بالإضافة إلي التطور السياحي وظهور مناطق جذب جديدة.. وإن كل ذلك يهييء مناخا يزيد من فرص العمل للشباب!.
وقال الرئيس: إنه سيواصل سلسلة من الاجتماعات المتواصلة لتطوير التعليم والنقل والصحة والبحث العلمي, وضرب الرئيس بالكيفية التي واجهت بها الحكومة انفلونزا الطيور نموذجا للنجاح, وقال: نجحنا في عدم انتشار المرض وهدفنا الآن هو الحفاظ علي الثروة الحيوانية والداجنة في مصر.
وحين سئل الرئيس: ماذا تريد لمصر؟!
ضحك وقال: أريد للبنك المركزي مائة مليار دولار, وهذا ليس أملا بعيدا, واننا في الطريق إليه, وكلنا نذكر أن الخزانة المصرية لم يكن بها في وقت ما دولار واحد, وبها الآن ما يقرب من25 مليار دولار, وهذا يزيد من ثقتنا في قدرات مصر الاقتصادية علي تلبية احتياجات مواطنيها وتغطية مطالبهم..
ورجع بنا الرئيس إلي أوائل التسعينيات حين نجح في إسقاط جزء كبير من ديون مصر الخارجية, وقال إن إسقاط هذه الديون أنقذ مصر من الإفلاس, لأن اقتصادنا كان وقتها ضعيفا.
وكانت المائة مليار دولار التي تمناها الرئيس أن تدخل إلي خزينة البنك المركزي, هي النقطة الأخيرة في حديثه عن الأحوال الداخلية, التي بتنا الآن أكثر اطمئنانا عليها وفتحنا أملا عريضا في مستقبل أفضل..
وبعد هذا الاطمئنان المؤيد بالأرقام والحقائق, يمكن أن نعود إلي الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وقضاياها الساخنة..
وقد أولي الرئيس للأزمة الإيرانية اهتماما خاصا, وقال إن مستقبل العلاقات بين إيران ودول الخليج مشكلة صعبة, وحذر الأمريكيين من استخدام القوة العسكرية, موضحا أن القوة العسكرية لها تداعيات كبيرة علي مجمل أوضاع المنطقة, واذا خرجت المنطقة من عقالها فسوف تصبح بمثابة عناصر تحريض تعمل علي توسيع رقعة العمليات الإرهابية..
وقال إن المنطقة ليست يوجوسلافيا أو بنما, والشيعة ينتشرون في كل دولة بها تقريبا.. وإيران تمثل لهم عمودا فقريا.
وكرر الرئيس تحذيره لكل الأطراف من اللجوء إلي القوة العسكرية كما حدث وحذر قبل الحرب الأمريكية في العراق, وقال إن الحروب تولد العنف والإرهاب, وأضاف أن المشكلة في أساسها سياسية ولا تحل إلا سياسيا وليس بالقوة.
وأعلن الرئيس موقفه المناهض لاستخدام القوة العسكرية, بالرغم من أنه مازال لا يثق في بعض السياسات الإيرانية تجاه مصر, وتشجيعهم لبعض عناصر التطرف وتبنيهم لقاتل الرئيس الراحل أنور السادات, وكان وقتها الرئيس الإيراني الحالي هو رئيس بلدية طهران.
وختم الرئيس تحذيره بأن ارتكاب الأخطاء في التفاعل مع هذه الأزمة, سيكون وباله وخيما.. وأن الإرهاب سيضرب الجميع.
وانتقل الرئيس إلي الأوضاع الفلسطينية وحماس, وقال إننا لا نساعد المنظمات الفلسطينية لكونها منظمات, لكننا نساعد الشعب الفلسطيني.. ونري أن أي عقاب للشعب الفلسطيني بسبب ممارساته لحريته وديمقراطيته يمثل خطرا علي منطقة الشرق الأوسط, وسبيلا إلي نمو التطرف, وقال إننا نساعد الفلسطينيين ليكونوا رأيا موحدا واتفاقا فيما بينهم, ليسيروا في العملية السلمية, التي نراها هي الطريق الأمثل لحل الصراع الدائر الآن.
وقال الرئيس إننا ندعم سلطة الرئيس محمود عباس ونحث الإسرائيليين علي التفاوض مع السلطة الفلسطينية, وألا يقطعوا الأموال الخاصة بالشعب الفلسطيني, فهذه الأموال ليست من حق حكومة من الحكومات وإنما من حق المواطن البسيط.
وأقول للأمريكيين ألا يوقفوا أي مساعدات للشعب الفلسطيني, وقد اتفقت مع الأوروبيين علي ذلك وقد استجابوا بالفعل.
وقد وصف الرئيس مبارك أحداث العراق الأخيرة بأنها تشبه الحرب الأهلية, ودعا الأطراف جميعا إلي العمل السياسي والتعاون حتي يتم انتهاء الاحتلال وأن يسود الأمن في المجتمع العراقي.. وقال إنه بحث مع قادة الخليج كيفية تقليص الأحداث العراقية المضطربة.
وتمني الرئيس أن تعود العلاقات اللبنانية ـ السورية إلي متانتها وقوتها, وقال إن إرادة الشعوب هي المهمة.
وأبدي مبارك اهتماما بالغا بما يحدث في السودان ودارفور, وأعلن حرص مصر علي توسيع علاقاتها مع كل السودانيين, وحرصها أيضا علي توسيع علاقاتها مع دول حوض وادي النيل, وقال إنه وجه معاونيه إلي التعاون مع جميع دول الحوض في جميع المجالات ومنها استيراد اللحوم من إثيوبيا.
وفي ختام حديث الرئيس إلي رؤساء تحرير الصحف في رحلة العودة إلي القاهرة.. لم ينس أن يتطرق إلي متاعب مهنة البحث عن المتاعب المعروفة باسم الصحافة.. واستمع إلي الملاحظات التي أبداها البعض علي الأداء المهني وطلب تعاون كل الصحفيين معا, وأكد دعمه كل المؤسسات الصحفية, وأنه أصدر توجيهاته للحكومة بحل مشكلاتها مع الوزراء المختصين.
وقال الرئيس: إن وعده بإصدار قانون عدم حبس الصحفيين مازال موجودا, لكن وضع قانون يرضي كل أطراف المجتمع يحتاج إلي وقت للدراسة حتي يخرج متكاملا.
وكان قد مضي ما يقرب من ساعتين, والرئيس يتحدث ويستمع ويجيب ويسأل أحيانا.. حتي هبطنا إلي مطار القاهرة.. وكنا نشعر بأننا أكثر اطمئنانا وأملا في المستقبل.